أعتذر على التأخير ......... نواصل
ما أجمل هذه الحلقة
إقترب موعد رحلة الرجوع، وزادت معها المناظر الرائعة - المتكررة كل لحظة في خيالي - بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى،هاهو طيف أمي الغالية يرحب بي كل ما مر بي وفي عينيها دموع الفرح، سبحان الله أهكذا عطف وحب الوالدين حتى بالخيال!!!!!!!!!!!!!! هاهو طيف أبنائي يجري متجها نحوي بكل براءة وطفولة وأنا أبتسم وأحرك يدي وكأنني أريد حملهم، هاهو طيف زوجتي ترحب بي وتهنئني بسلامة الوصول بإبتسامة ملؤها الود والرحمة، وذاك طيف إخوتي واحدا تلو الآخر وقد تزاحمت علي حتى أشغلتني عن زادي وعن نومي مشتاقة لي وأنا في شوق لها أكثر......... وذاك طيف صديقي الغالي فلان وفلان و و و و...... يااااااااااااااالله يالها من أطياف خيالية رااااااااااااائعة.
كنت أعد الأسابيع فلما إقترب الموعد أصبحت أعد الأيام وعندما إقترب أكثر أصبحت أقول بقي عشر صلوات بقي تسع صلوات بقي سبع صلوات بقي.... بقي.
كل هذا الشعور والخيال أحاربه لما أكون بالمعهد أو بالحصة الدراسية الإضافية المسائية حتى لا أنشغل عن تحقيق هدفي، وصرت أذاكر وأدرس بحماس حتى أحصل أكبر فائدة ممكنة، وصار الأصدقاء معي بالمعهد – حفظهم الله وسددهم – يسارقونني النظرات في الفصل وفي الجلسات وكأنهم يغبطونني على قرب رجوعي لأهلي أو كأنهم يودعونني ويتمنون أن نلتقي هناك بالوطن.
كانت الرحلة قبل الفجر من يوم السبت، والمعهد قد خرجني يوم الجمعة قبيل صلاة الجمعة ( الإجازة عندهم السبت والأحد) وكان الزملاء بالمعهد – طبعا غير مسلمين – في توديع حار لي وخصوصا أحد الطلبة الصينيين وقد كاد يبكي عند توديعي، وقد طمأنته بأنني سأبقى معه علىتواصل عبر الإيميل" أسأل الله له الهداية للإسلام " وغيره مواقف كثيرة معبرة جدا،ودعتهم وودعت أكثر من أعرفهم بعد الصلاة بالجامع ثم ذهبت مع الصفوة من الأصدقاء للمطعم الأفغاني لتناول وجبة الغداء وكانوا مجموعة طيبة جدا ( عددهم قرابة ثمانية أشخاص ) وكلهم من السعودية ما عدا واحدا كان من دولة عمان الشقيقة ( كان رجلا ذوخلق ودين )، المهم جلسنا جلسة طويلة أحسست خلال تجاذب أطراف الحديث بحب صافي متبادل وبمشاعر أخوة صادقة، وعندما غادرنا المطعم ووصلنا لمفترق الطرق تردد الجميع فيا لتوديع والكل لم يجسر على ذلك فكنت أنا المبادر وقد تغصصت العبرات – إي والله – وقلت في نفسي الذي يعزيني أنني سوف أذهب إلى من هم أغلى منكم وإلا كان المصاب أعظم.......... حفظهم الله من كيد الأشرار وظلم الفجار وردهم سالمين غانمين.
وصلت المنزل وبدأت عبارات التوديع والتعبير عن المشاعر تظهر جلية من كلام البريطاني ( صاحب المنزل ) وزوجته العجوز، أما أنا فلم يعد للنوم في جفوني مكان من فرط حماسي وشوقي لأهلي.
أصر أحد الأصدقاء بأن يوصلني للمطار بسيارته وأبى البريطاني إلا أن يوصلني بنفسه مهما كان الموعد غير مناسب بالنسبة له، وقبيل موعد النوم قلت للعجوز مع السلامة قالت: لا ليس الآن بل سوف أصحو قبل الفجر لأودعك وأراك قبيل ذهابك للمطار......... لم أنم تلك الليلة لوجود طالب جديد ( سعودي ) كان سيسكن مكاني بالشقة وقد انشغلت معه بالحديث عن أمور كثيرة وقد أحببته بسرعة رغم أن تعارفنا كان لوقت قصير.
قمت الساعة الرابعة في منتصف الليل على قرع البريطاني لباب الشقة مناديا، وأخذت حقائبي ونزلت لموقف السيارة بالكراج وكانت العجوز قد وقفت على رأس الممر وقالت: لو كنت ترضى بالمصافحة لودعتك بحرارة أكثرقلت: شكرا على مشاعرك الطيبة وآسف لأنني لن أغير من مبادئ شيئا – إن شاء الله –
ركبنا ثم قال الرجل عند تزولي للمطار: إن الحياة عبارة عن سلسلة من التنقل والفراق المتكرر ثم ودعني بحرارة ومعانقة وأنا أرجوا أن يفتح الله على قلبه ليدخل في دين الله ويسلم من عذاب الآخرة وقلق الدنيا.
ركبت الطائرة وتوجهت لمطارأوكلاند وهناك قابلت صديق لي حميم وبيني وبينه قرابة وقد جاء ليجلس معي ونتناول طعام الإفطار سويا ثم يودعني.
ركبت الطائرة المتجهة إلى مطار هونغ كونغ وصلنا بالليل حسب توقيت الصين بعد مدة طويلة ونحن نسبح بالهواء وأتجهت إلى الفندق وكنت بمعنويات عالية وأتكلم بكل يسر وسهولة وكأن الفرق بين هذه المرة والمرة السابقة ليس شهرين فقط بل سنين.
نزلت الفندق وفي الغد عصرا ركبت الطائرة المتجهة للرياض وقد لبست أجمل لباسي، قبل ذلك إتصلت من مطار هونج كونج بمنزل أهلي وردت أختي الغالية وأخبرتها أن الرحلة سوف تصل – إن شاء الله – قبل الموعد الذي أخبرتهم به بساعة وكانت متحمسة لإتصالي جدا وكنت متأثرا من كلامها وتعبيرها المختصرعن مشاعر شوقها وحبها لرؤيتي ، أسأل الله العلي القدير أن يوفقها بالدنيا والآخرة على عذوبة مشاعرها ونقائها وصفائها ،
تحمست ولم يغمض لي جفن على متن الطائرة بل كنت أعد الساعات والدقائق وأراقب الشاشة، وعند هبوطنا بالبحرين نبه الجميع بأن عليهم التخلص من الخمر - المشروبات الروحية كما يزعمون – وقالت المضيفة عبر الإعلان السلطات السعودية تعتبرها قضية مشينة،
أحسست بالفخر والعزة وأصبحت أدعوا لبلدي وللمسلمين بالعزة والرفعة والتمسك بمبادئهم النبيلة والشريفة.
نزلت إلى مطار الرياض وأنا كالمجنون من الفرح ولسان حالي ومقالي تلهج بشكر الله -عز وجل- على نعمة الإسلام ونعمة الرجوع للوطن سالما غانما محققا لهدفي ومعه أهدافا أخرى، ونعمة الإجتماع بالأهل ونعمة الثبات على الحق رغم تنوع وتعدد الفتن من الشهوات والشبهات ........ والعديد من النعم التي لا أحصيها ولله الحمد من قبل ومن بعد.
أول ما نزلت بالمطار توضأت وصليت المغرب والعشاء ، ثم توجهت للحقائب ومررت بالجمارك ، الذين كانوا على مستوى راقي في التعامل مع جميع القادمين على متن هذه الطائرة ، خرجت وإذا بأخي – الأصغر مني مباشرة – ينظر إلي مرحبا ومبتسما بكل حماس ورجولة – كما هي عادته حفظه الله وسدده –
أخذني إلىالمواقف وما إن ركبنا السيارة وفتحت جوالي _ السعودي طبعا _ فإذا الرسائل الترحيبية تأتي من الأخوة والأصدقاء وطبعا إتصلت مباشرة على أمي التي كانت مكثرة من الحمد والشكر لله .
في طريقنا للخرج كانت أمي تتصل كل عشر دقائق أو نحوها وتقول أين وصلتم ؟ وكان غاية طموحي في تلك اللحظات -التي كاد قلبي أن يطير خلالها- أنأسلم على أهلي وأخشى أن أموت قبل ذلك .
وصلت بعد ترقب منهم ومني ثم دخلت ،هنا لا أستطيع أن أصف مشاعر فرحتي في هذه اللحظة ، وذكرت قول بن تيمية رحمه الله عن أن لو كان أهل الجنة في مثل النعيم الذي يجده في صدره من الراحة والطمأنينة فهم في خير عظيم أو كما قال رحمه الله ، وأنا في تلك الليلة وما فيها من مقابلتي لوالدتي وإخوتي وزوجتي وأبنائي قد أحسست بنعيم عظيم ولله الحمد والمنة ، وقد أحسست بما قاله لي الأخ أبو سليمان -سدده الله ووفقه- من الثقة والإعتزاز بالمبادئ والقيم الإسلامية ،
فالحمد لله حمدا يليق بجلاله وعظمته وكما يحب ويرضى ، الحمدلله على نعمة الوصول والإجتماع بالأحبة وتحقيق الهدف وأكثر ، والحمد لله على نعمة الوطن وإقامة شعائر الدين وتمسك الناس بإسلامهم
88888888888888888888888888888
مرت سنيـن بالوصـال وبإلهنـا *** فكأنها من قصرها أيـام
ثم انثنـــت أيـامهجـــر بعـدها *** فكأنها من طولها أعوام
ثم أنقضت تلك السنون وأهلها *** فكـأنها وكأنـهم أحـــلام
هكذا مرت علينا الأيام بسرعة قبل ذهابي للخارج ومرت هناك ببطء ثم ذهبت جميعها وبقي ما فيها من خير أو شر قد قيد علينا ، أسأل الله أن يجزل الثواب للحسنات ويعاملنا بعفوه وغفرانه على ما أقترفنا من السيئات
المواضيع المتشابهه
العرض العادي
