وفي الحديث ( أَن مُحلِّمَ بن جَثَّامةَ اللَّيْثيْ قَتَلَ رَجلاً يقول : لا إِلهَ إِلاّ اللَّهُ ، فلمّا مات هو دَفَنُوه فلفظَتْه الأَرضُ ، فأَلْقَتْه بين صَوْحَيْنِ فأَكَلتْه السِّبَاعُ ) .
وقد وردت كلمة الصوح بصيغة التثنية في شعر تأبط شراً وستأتي بعد قليل إن شاء الله .
خارطة تبين موقع وادي حثن .
فضائية لأسفل وادي حثن ( الصوح ) حيث يلتقي بوادي يلملم الكبير
ونلاحظ أن وادي حثن العظيم يضيق مجراه كثيرا حتى أنه لا يتجاوز المترين فقط في بعض المواضع .
وهو يسمى الصوح - كما قلنا سابقاً - نظرا لوقوعه بين صفحات الجبال العالية والمنحدرة بشكل عمودي .
ويبدو أن هذا الوادي كان ممرا يربط بين بلاد هذيل وفهم وليس هو الطريق الوحيد
واغلب ظني أنّ تأبط شراً عناه بقوله :
وشِعْبٍ كشَكِّ الثَّوّبِ شَكْسٍ طَرِيــقُه == مدَارِجُ صُوحَيْه عِذَابٌ مَحاصِرُ
تَعَسَّـفْـتُه باللَّـيْلِ لم يَهْـدِني لـــه == دَلِيلٌ ولم يَشْهَــدْ له النَّعْتَ خابِرُ
بهِ سملاتٌ من مياه قديمــــةٍ == مواردها ما إن لهن مصــَـــــــادرُ
وشراح الأبيات يذكرون أنه يعني بالشعب هنا فم امرأة لكنه شبه فمها بشعب صغير
له صوحان
وشبه بهما جانب فمها
وشبه حسن اصطفاف أسنانها بحسن اصطفاف نبت الوادي
قال ابن سيده في المخصص :
( عنى بالشعب ههنا الفم وجعله كشك الثوب لاصطفاف نبتته وتناسق بعضه في أثر بعض كالخياطة في الثوب وجعل جانبي الفم صوحين ) انتهى
ولابد أن شاعرنا وهو يصف محبوبته يشبهها بهذا الشعب الذي رآه واجتازه يوما ما والله أعلم .
=====
بعض أخبار تأبط شراً :
لقبه وسببه
( تأبط شرا ) لقبٌ لقبَ به
ذكر الرواة أنه كان رأى كبشا في الصحراء فاحتمله تحت إبطه فجعل يبول عليه طول طريقه فلما قرب من الحي ثقل عليه الكبش فلم يقله فرمى به فإذا هو الغول فقال له قومه : ما تأبطت يا ثابت قال الغول قالوا : لقد تأبطت شرا فسمي بذلك .
وقيل : بل قالت له أمه : كل إخوتك يأتيني بشيء إذا راح غيرك فقال لها : سآتيك الليلة بشيء ومضى فصاد أفاعي كثيرة من أكبر ما قدر عليه فلما راح أتى بهن في جراب متأبطا له فألقاه بين يديها ففتحته فتساعين في بيتها فوثبت وخرجت فقال لها نساء الحي : ماذا أتاك به ثابت فقالت : أتاني بأفاع في جراب قلن : وكيف حملها قالت تأبطها قلن لقد تأبط شرا فلزمه ذلك اللقب .
خبره مع الغول :
قيل إن تأبط شراً لقي الغول في ليلة ظلماء في موضع يقال له رحى بَطان في بلاد هذيل فأخذت عليه الطريق فلم يزل بها حتى قتلها وبات عليها فلما أصبح حملها تحت إبطه وجاء بها إلى أصحابه فقالوا له لقد تأبطت شرا فقال في ذلك :
( تأَبَّط شراً ثم راح أو اغْتَدى ... تُوائم غُنْما أو يَشِيف على ذَحْل )
وقال أيضا في ذلك :
( ألا مَنْ مُبلغٌ فِتيانَ فَهمٍ ... بما لاقيتُ عند رَحَى بطانِ ) ( وأنِّي قد لقيتُ الغولَ تهوي ... بسَهْب كالصحيفة صحصحانِ ) ( فقلت لها : كلانا نِضْو أَيْنٍ ... أخو سفر فخلّى لي مكاني ) ( فشدَّت شدَّةً نحوي فاَهْوَى ... لها كفّي بمصقولٍ يَمانِي ) ( فأَضربها بلا دَهَشٍ فَخَرّت ... صريعاً لليدين وللجِرانِ ) ( فقالت عُد فقلت لها رُوَيْداً ... مكانَك إنني ثَبْت الجنانِ ) ( فلم أنفكَّ مُتّكِئاً عليها ... لأنظر مُصبِحاً ماذا أتاني ) ( إذا عينان في رأسٍ قبيح ... كرأس الهِرِّ مَشْقوق اللِّسان ) ( وساقا مُخدجٍ وشواةُ كلْب ... وثوب من عَباءٍ أو شِنان )
تأبط شراً يتكنى بأبي وهب :
لقي تأبط شرا ذات يوم رجلا من ثقيف يقال له أبو وهب كان جبانا أهوج وعليه حلة جيدة فقال أبو وهب لتأبط شرا بم تغلب الرجال يا ثابت وأنت كما أرى دميم ضئيل قال باسمي إنما أقول ساعة ما ألقى الرجل أنا تأبط شرا فينخلع قلبه حتى أنال منه ما أردت فقال له الثقفي : أقط قال : قط قال : فهل لك أن تبيعني اسمك ؟ قال : نعم فبم تبتاعه قال : بهذه الحلة وبكنيتك قال له : أفعل ففعل وقال له تأبط شرا : لك اسمي ولي كنيتك وأخذ حلته وأعطاه طمرية ثم انصرف وقال في ذلك يخاطب زوجة الثقفي : ( ألا هل أتى الحسناءَ أنّ حَلِيلهَا ... تأَبّط شَراًّ واكتنيتُ أبّا وَهْب ) ( فهبه تَسمْى اسْمي وسُمِّيتُ باسمِه ... فأَين له صبري على مُعْظَمِ الخطب ) ( وأين له بأْسٌ كَبَأْسي وسَوْرتي ... وأين له في كل فادحةٍ قَلْبي )
خبره حين أغار على بجيلة :
أغار تأبط شرا ومعه عمرو بن برّاق الفهمي على بجيلة فأطردا لهم نعما ونذرت بهما بجيلة فخرجت في آثارهما ومضيا هاربين في جبال السراة وركبا الحزن وعارضتهما بجيلة في السهل فسبقوهما إلى الوهط وهو ماء لعمرو بن العاص بالطائف فدخلوا لهما في قصبة العين وجاءا وقد بلغ العطش منهما إلى العين فلما وقفا عليها قال تأبط شرا لابن براق أقل من الشراب فإنها ليلة طرد قال : وما يدريك ؟ قال : والذي أعدو بطيره إني لأسمع وجيب قلوب الرجال تحت قدمي وكان من أسمع العرب وأكيدهم فقال له ابن براق : ذلك وجيب قلبك فقال له تأبط شرا : والله ما وجب قط ولا كان وجابا وضرب بيده عليه وأصاخ نحو الأرض يستمع فقال والذي أعدو بطيره إني لأسمع وجيب قلوب الرجال فقال له براق فأنا أنزل قبلك فنزل فبرك وشرب وكان أكل القوم عند بجيلة شوكة فتركوه وهم في الظلمة ونزل ثابت فلما توسط الماء وثبوا عليه فأخذوه وأخرجوه من العين مكتوفا وابن براق قريب منهم لا يطمعون فيه لما يعلمون من عدوه فقال لهم ثابت إنه من أصلف الناس وأشدهم عجبا بعدوه وسأقول له أستأسر معي فسيدعوه عجبه بعدوه إلى أن يعدو من بين أيديكم وله ثلاثة أطلاق أولها كالريح الهابة والثاني كالفرس الجواد والثالث يكبو فيه ويعثر فإذا رأيتم منه ذلك فخذوه فإني أحب أن يصير في أيديكم كما صرت إذ خالفني ولم يقبل رأيي ونصحي له قالوا فافعل فصاح به تأبط شرا أنت أخي في الشدة والرخاء وقد وعدني القوم أن يمنوا عليك وعلي فاستأسر وواسني بنفسك في الشدة كما كنت أخي في الرخاء فضحك ابن براق وعلم انه قد كادهم وقال مهلا يا ثابت أيستأسر من عنده هذا العدو ثم عدا فعدا أول طلق مثل الريح الهابة كما وصف لهم والثاني كالفرس الجواد والثالث جعل يكبو ويعثر ويقع على وجهه فقال ثابت خذوه فعدوا بأجمعهم فلما أن نفسهم عنه شيئا عدا تأبط شرا في كتافه وعارضه ابن براق فقطع كتافه وأفلتا جميعا فقال تأبط شرا قصيدته القافية في ذلك : ( يا عيدُ مالك من شوقٍ وإبراقِ ... ومَرّ طيفٍ على الأهوال طرَّاقِ ) الخ والقصيدة من عيون شعره .
النجاة من موت محقق :
كان تأبط شرا يشتار عسلا في غار من بلاد هذيل يأتيه كل عام وأن هذيلا ذكرته فرصدوه لإبّان ذلك حتى إذا جاء هو وأصحابه تدلى فدخل الغار وقد أغاروا عليهم فأنفروهم فسبقوهم ووقفوا على الغار فحركوا الحبل فأطلع تأبط شرا رأسه فقالوا : اصعد فقال ألا أراكم قالوا : بلى قد رأيتنا فقال : فعلام أصعد ؟ أعلى الطلاقة والفداء ؟ قالوا : لا شرط لك قال : أتراكم قاتلي وآكلي جناي ! لا والله لا أفعل . قال وكان قبل ذلك نقب في الغار نقبا أعده للهرب فجعل يسيل العسل من الغار ويهريقه ثم عمد إلى الزق فشده على صدره ثم لصق بالعسل فلم يبرح ينزلق عليه حتى خرج سليما وفاتهم وبين موضعه الذي وقع فيه وبين القوم مسيرة ثلاث فقال تأبط شرا في ذلك ( أقول للحيانٍ وقد صَفِرت لهم ... وِطابي ويَوْمي ضَيّق الحَجْر مُعوِرُ ) ( هما خُطَّتا إما إسارٌ ومِنَّةٌ ... وإما دَمٌ والقَتْلُ بالحُرِّ أجدَرُ ) ( وأُخرى أصادِي النّفسَ عنها وإنها ... لمورِدٌ حَزْم إن ظَفِرت ومَصدَرُ ) ( فرْشتُ لها صدري فزَلَّ عن الصَّفا ... به جؤجؤٌ صَلْبٌ ومتنُ مُخصَّرُ ) ( فخالطَ سهلَ الأرض لم يكدح الصَّفا ... به كَدْحَةً والموتُ خَزيانُ يَنْظُرُ .. ) الخ
وله قصة أخرى جميلة في قتل النمر والعرب تسميه ( السبنتى ) .
وأرى أنني أطلت عليكم في أخبار هذا الصعلوك الجاهلي حتى خشيت أن تملوا !
ولهذا دعوني أعرض لكم الصور للوادي الذي أكاد أرى تأبط شرا وهو يجتاز بين صوحيه :
هذه الصورة والتي بعدها للطريق المؤدي إلى السعدية ولملم
آثار الربيع وقد هاج واصفر
كل هذا ونحن في طريقنا إلى السعدية ولملم
السعدية وفيها مسجد معاذ بن جبل
وهي ميقات أهل اليمن قبل أن ينتقل الميقات إلى أسفل يلملم قريبا من الساحل .
هذا الطراز من المباني رأيته في أكثر من موقع هنا
وكذلك رأيته في قرى شرق رابغ ( تمايا وما حولها )
ولا أدري لمَ بنيت بهذا الشكل .
وادي ألملم الكبير
ويتميز بكثافة أشجاره وغاباته
ويبدو أن أشجار الوادي خليط من الأثل والرتم وغيرها .
هذا الطريق القادم من الساحل يقطع وادي يلملم بالقرب من قرية أم الحنطة
وقد خربته السيول
وبالقرب من مدخل الصوح وجدت هذه اللوحة الجميلة وضعها طلاب مدرسة يلملم