بسم الله الرحمن الرحيم
في يوم الثلاثاء الماضي 3 / 3 / 1434 هـ الموافق 15 / 1 / 2013 م قمنا برحلة برية لاستقصاء الربيع في الهضب وماصاقبه من المناطق الواقعة شمال غرب وادي الدواسر ، وكانت تلك المناطق قد تعرضت لأمطار في آخر الوسم وقد عرضت عنها تقريرا مصورا في هذا الرابط :
وحدود ربيع الهضب التي أدركناها في هذه الرحلة تمتد من نميص وتربان جنوبا إلى الحزم شمالا إلى هضاب الحمرة غربا وتشمل الحمل والحميل وبدوة العليا والسفلى .
وربيع هذه المناطق في مجمله ربيع مُقْصر لم يعقب بعد مطره وليٌ ، وهو يتركز في شعاب الجبال وأكنافها دون السهول ، وقد أضر بنبته رعي الأغنام الجائر وهو لايزال في بداية نموه ، نسأل الله له الغيث العاجل .
وسأقوم في هذا الموضوع بعرض تقرير مصور لربيع تلك المنطقة مع التعريف ببعض المعالم الجغرافية فيها والوقوف على بعض آثارها
الكاميرا المستعملة في التقرير :
canon 600d
والعدسات :
canon 18-135
Tokina 11-16mm f2.8
خارطة توضح المواضع الطريق الذي سلكناه وتبين المواضع التي سترد في التقرير :
انطلقنا صباح الثلاثاء من وادي الدواسر ، و سلكنا طريق ( وادي الدواسر - رنية ) ثم طريق ( بيشة - الرياض ) الجديد ، ومن أهم المعالم الجغرافية التي يمر بها هذا الطريق جبال ( الستارة ) الممتدة بمحاذاة الطريق :
]
2
ويمر الطريق الجديد بوادي الفرشة التي تجمتع فيه سيول أودية بيشة ورنية :
ومن المعالم التي يمر بها أيضا هضبة أذن التي تقع من وادي الفرشة شمالا :
وقد كنت أحسب أن هضبة هذه وجبال الستارة تلك هي ما يعنيها جهم بن سبل الكلابي بقوله :
فيا كبدأ طارت ثـلاثـين صـدعة ... يا ويحما لاقـت مـلـيكة حـالـيا
فنضحك وسط القوم أن يسخروا بنـا ... وأبكي إذا ما كنت في الأرض خاليا
فإني لأذن والستـارين بـعـد مـا ... عنيت لأذن والسـتـارين قـالـيا
لباقي الهوى والشوق ما هبت الصبا ... وما لم يغير حادث الدهر حـالـيا
وذلك لقرب جبال الستارة من هضبة أذن ، بالإضافة إلى ورود الستارة في البيت بلفظ التثنية : الستارين ، فمن يرى صورة جبال الستارة السابقة يجد أنها مكونة من سلسلتين من الجبال الممتدة ، غير أن هذا الرأي لم يصمد أمام تعدد اسم الستار في كثير من المواضع في نجد ، وأمام تحقيق الشيخ سعد بن جنيدل - رحمه الله - لموضع جبل أذن ، فقد ذكر أن أذن التي يعنيها الشاعر الكلابي هي هضبة أذن التي " تقع في أعلى وادي ( دهو ) جنوبا شرقيا من جبل كرش في بلاد قبيلة المقطة مما يلي بلاد الشيابين من عتيبة لأنها في بلاد أبي بكر بن كلاب قديما ". انظر : المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية : عالية نجد ، سعد بن عبدالله بن جنيدل ، منشورات دار اليمامة - الرياض ، ص : 103
ومن الجبال المطلة على وادي الفرشة ويمر بها طريق بيشة الرياض الجديد جبال حويتنان وهذه صورة لطرفها الشرقي:
وقد جاء في لسان العرب : " حَوْتَنان: موضعٌ، وقيل: حَوْتَنانان وادِيانِ في بلاد قَيْس كلُّ واحد منهما يقال له حَوْتَنان؛ وقد ذكرهما تميم بن مقبل فقال: ثم اسْتَغاثُوا بماءٍ لا رِشاءَ له من حَوْتَنانَيْن، لا مِلْح ولا زَنَن".
وفي معجم ما استعجم : " حونبان " بفتح أوله، وإسكان ثانيه، بعده تاء معجمة باثنتين من فوقها، ثم باء معجمة بواحدة، على وزن فوعلان: ماء هكذا ذكره ابن دريد. وورد في شعر ابن مقبل " حوتنانان " مثنى، بالنون مكان الباء، هكذا اتفقت الروايات في شعره قال: حتى شربن بماء لا رشاء له * من حوتنانين لا ملح ولا دمن ".
ولعل ابن مقبل في بيته السابق قد أراد هذا الجبل ، لاسيما أن بيته ورد في قصيدة طويلة ذكر فيها بعض المواضع القريبة من هذا الجبل ( حويتنان ) كـ : ( تربان ، و النقيب ، كتمان ، وأفيخ ) يقول :
شَقَّتْ قُسَيَّانَ وازْوَرَّتْ ومَا عَلِمَتْ ... من أَهْلِ تُرْبَانَ من سُوءٍ ولاَحَسَنِ
واشْتقَّتِ القُهْبُ ذات الخَرْجِ مِن مَرَسٍ ... شَقَّ المُقَاسِمِ عنهُ مِدْرَعَ الرَّدَنِ
لمَّا أَتَى دُونَهُمْ حَادٍ أَقَامَ بِهم ... فَرْجَ النقيبِ بلا عِلمٍ ولا وطنِ
وصرَّحَ السَّيرُ عنْ كُتمانِ ، وابْتُذِلَتْ ... وَقْعُ المَحاجِنِ في المَهْرِيَّة ِ الثٌّقٌنِ
جَعَلْنَ هَضْبَ أَفِيخ عن شَمَائِلِهَا ... بَانَتْ حَبَائِبُهُ عَنْهُ ولم يَبِنِ
واسْتَقْبَلُوا وَادِياً ضَمَّ الأرَاكُ به ... بَيْضَ الهُدَاهِدِ ضَمَّ المَيْتِ في الجَنَنِ
فأما تربان فسيأتي ذكره في هذا التقرير ، وأما أفيخ فهو جبل يقع جنوبا عن جبال الستارة ويمر به ذلك الطريق - انظر الخارطة - وقد تناولناه في تقارير سابقة .
وأما اكتمان فهو جبل يقع في صحراء المهمل والنقيب عرق يقع في الشرق منه ، وقد جاء في معجم ما استعجم : "كتمان بضم أوله وإسكان ثانيه بعده ميم
قال يعقوب هو جبل في بلاد بني عقيل وأنشد لابن مقبل قد صرح السير عن كتمان وابتذلت وقع المحاجن بالمهرية الذقن "
وكل هذه المواضع محددة في الخارطة السابقة .
وهذه صورة لجبل كتمان في رحلة سابقة لصحراء المهمل نشرتها في هذا الرابط :
وفي جبال حويتنان آثار عجيبة على هيئة حبال ومسننات حجرية حيرت العلماء الذين وقفوا عليها :
8
9
10
وهذه المسننات والحبال الحجرية تنتشر في كثير من الجبال المطلة على وادي الفرشة كجبال الريانية والحمرانية التي تقع في الشرق من جبل حويتنان وهذه صور لها قد التقطتها من الحمرانية أثناء العودة :
11
12
13
14
ومما لاحظته أن الحبال الحجرية في هذه الجبال تأخذ خطا مستقيما يمتد من الشرق إلى الغرب على نحو يوازي اتجاه الحبال والمسننات الحجرية في جبال حويتنان على الرغم من بعد المسافة بينها وبين جبال حويتنان .
والواقف على هذه الشواهد الأثرية سيحار في أمرها ، إذ ستتداعى إلى ذهنه افتراضات كثيرة في تفسيرها منها :
- أنها قد تكون علامات يستدل بها على الطرق والمياه .
-أو أنها حدود لحمى القبايل قديما .
- أو وسائل كانت تستعملها القبائل للتمويه والمراقبة والحماية في المعارك .
- أو بقايا قديمة لأعمال التعدين .
- أو وسائل تستعمل قديما في الأمور الفلكية .
- أو بقايا لطقوس دينية كانت تمارس قديما .
وقد وقف عليها فريق من المستشرقين بقيادة جون فيلبي قبل 62 عاما ، ولفتت نظرهم هذه الأعمال الحجرية المنتشرة في جبال هذه المنطقة ، غير أنهم عادوا وهم في حيرة من أمرها وأخذوا يفترضون الافتراضات و لم يتوصلوا إلى نتيجة في تفسيرها .
ومن أهم الدراسات التي تناولت هذه الآثار الدراسة التي قدمها الشيخ عبدالله بن محمد الشايع في كتابه أطلس الشواهد الأثرية فقد قام بزيارتها وفي صحبته عبدالعزيز بن صالح الشايع و سعد بن عبد العزيز اليحيان ، وصالح بن عثمان المقري وأستاذنا الصديق سعد بن علي الماضي ، ورأى الشيخ الشايع أن هذه الحبال الحجرية " أعمال عبثية لا لزوم لتنفيذها ، وقد يكون منفذوها من الأمم الماضية لهم اعتقاداتهم الخاصة بشأنها ، ولعلها من الأمور التي لام النبي هود - عليه السلام - عليها قومه ، حيث قال : " أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ " سورة الشعراء . انظر: أطلس الشواهد الأثرية ، عبدالله الشايع ، دارة الملك عبدالعزيز ، الرياض ، 1430 هـ ، ص : 82 ، 85 .
ورأي الشيخ الشايع هو أقرب الآراء في تفسيرها في نظري, أما بقية الآراء فهي مجرد تخمينات لايوجد لها - في حدود اطلاعي المحدود - أي دليل علمي يثبتها .
ثم واصلنا سير رحلتنا ، فمررنا بصحراء قمراء وهنا بدأنا نرى النبت ( الباذر ) ..
انتظر ..