سؤال : هل الإسلام يوازن بين متطلبات الروح والجسد والدنيا والآخرة؟
سؤال : كيف أوازن بين متطلبات الروح والجسد؟
الإسلام دين يحقق للإنسان التوازن التام بين كل حقائقه ، فَلَما كان الإنسان روحاً وجسداً وقلباً وعقلاً ونفساً وله حياتان ، حياة في الدنيا هو فيها ، وحياة أخروية هو مقبل عليها ، فقد كفل الإسلام لكل حقيقة من حقائق الإنسان ما يحقق لها سعادتها ورغبتها وذلك في توازن دقيق بحيث لا تطغى حقيقة على حقيقة
وقد فطن المسلمون الأولون الذين حظوا بنور الوحي بذلك المنهج العظيم ، فقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أبوالدرداء وسلمان الفارسي ، وكان سلمان غائباً عن المدينة ذات مرة فرجع من سفره وذهب إلى بيت أخيه أبى الدرداء ليزوره ويطمئن عليه فرأى زوجته أم الدرداء مبتذلة (غير مهتمة بزيها وهيئتها) فسألها ما بك؟
قالت : إن أخاك أبا الدرداء قد ذهب مع الذاهبين يسعى للآخرة وترك الدنيا بما فيها ومن فيها ، فَلَما جاء أبوالدرداء قدم إليه الطعام وطلب منه أن يأكل فقال : لا آكل حتى تأكل معي ، فقال: إني صائم ، فأقسم ألا يأكل حتى يأكل معه ، فأكلا وناما معاً في الليل ، وكلما أراد أبوالدرداء أن يقوم ليصلي جذبه سلمان حتى يظل نائماً ، وقال له : ما زال الوقت مبكراً
فقاما على مقربة من الفجر فتوضئا واستعدا ليصليا الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فَلَما رأى سلمان أخاه غاضباً قال له : إن لربك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقاً وإن لبدنك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه
فذهب أبوالدرداء وشكا سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وظن أنه سينصفه فقال صلى الله عليه وسلم {صَدَقَ سَلْمَان ، إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّ ، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّ ، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، فَأَعْطِ كُلَّ ذِى حَقٍّ حَقَّهُ}[1]
وهكذا نجد الإسلام يدعو المسلم إلى إعطاء جسده كل ما يتطلبه من مأكل أو مشرب أو منكح أو مسكن أو غيره ، فليس على المسلم شيء أن يتزوج أجمل النساء ، ويأكل أشهى الطعام ويشرب أفخر الشراب ، ويسكن أفخم المساكن
على أن يكون ذلك كله من حلال طيب أحله له الله ويبتعد في كل ذلك عن المحرمات التى نهى عنها الله لقوله سبحانه وتعالى {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} البقرة57
وأن يبتعد في تناول كل ذلك عن الإسراف والتبذير وتجاوز الحد لقوله سبحانه {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} الأعراف31
ويبتعد أيضا في ذلك عن الزهو والفخر والخيلاء لقول الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} لقمان18
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم هذين الأمرين معاً فقال {كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ}[2]
وأن يشكر الله الشكر الواجب بعد تمتعه بكل نعمة أنعم بها عليه الله ليستحق المزيد من فضل الله والذي وعد به الله عباده الشاكرين في قوله {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} إبراهيم7
وكذا يحض الله على العناية بمتطلبات الروح من ذكر وفكر وطاعة وعبادة وتقرب إلى الله ، على أن يكون ذلك بعد الفراغ من طلبات الجسد ومصالح الإنسان التى يحتاجها في هذه الحياة ، وقد قرر الله هذا المبدأ حتى لأكمل رسله وخاتم أنبياؤه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقال له ولنا معه {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ{7} وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ{8} الشرح
أي عندما ينتهى الانسان من الأعمال التى هو مكلف بها لنفع نفسه ومن حوله ، فعليه ألا يميل إلى اللهو أو الغفلة أو اللعب ، وإنما يسارع إلى طلبات الروح بالاقبال على الله
ولا بأس بأن يجعل لنفسه شيئا من الترويح عنها على أن يكون ذلك من المباحات التى أباحها شرع الله وأن يتجنب في ذلك المحرمات وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم {رَوّحِوُا القُلُوبَ ساعَةً بَعدَ ساعَةٍ فإن النفوس إذا كلّت عَمِيَت}[3]
والترويح يكون بالغناء المباح ، أو الموسيقى الهادفة ، أو الرياضة غير العنيفة ، أو السمر البريء مع الأصدقاء ، أو المداعبة للزوجة أو الأولاد ، أو النزهة للتفكر في خلق الله في المزروعات والنباتات والأفلاك والنجوم والحيوانات والطيور والحشرات وغيرها ، على ألا يشغله ذلك عن آداء الفرائض في وقتها أو يوقعه فى ارتكاب معصية تغضب الله
{1} صحيح البخاري عن أبوجحيفة
{2} رواه الإمام أحمد والنسائي والمستدرك عن ابن عمرو
{3} مسند الشهاب عن أنسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ