يُعدّ شعر لبيد بن ربيعة الجعفري العامري - رضي الله عنه - من أهم وثائق الجغرافيا التاريخية لجزيرة العرب في الجاهلية والإسلام ، وكان من بين قصائده التي حفظت أسماء مواضع مهمة تلك القصيدة البائية التي مطلعها :
وتبلغ القصيدة تسعة وعشرين بيتًا في ديوانه، وقد ورد فيها اسم موضع يُدعى الكُلاب - بضم الكاف ؛ مما جعل الباحثين في علم البلدان في العصر الحديث ينقلون هذا الموضع إلى منطقة الشُّرَيْف ليكون شاهداً على يوم الكُلاب الثاني بين تميم ومذحج .
ومَن يقرأ في علم البلدان يجد أن الأسماء تتكرر من مكان إلى آخر ، والقبيلة تنقل أسماء بعض مواضعها القديمة إلى مواضع جديدة تحلها . ومن هذا المنطلق فإنني أرى أنه لا رابط بين الكلاب في شعر لبيد ويوم الكلاب الثاني .
** الأبيات مجال الإشكال :
لقد وصف لبيد في النصف الثاني من قصيدته المذكورة آنفًا غيثًا على جنوب عالية نجد ؛ إذ قال :
وفي ختام قصيدته يدعو بالخصب لبلاد محبوبته أسماء وقومه بني عامر .
** جو القصيدة :
جاورت غنيُّ بن أعصر القيسية بني أبي بكر ابن كلاب ، فاعتدى أحد الغنويين على ابنٍ لعروة بن جعفر فقتله ، ثم إن منيعًا الجعفري قتل أحد بني أبي بكر فأرادوا أن يبوء قتيلهم بقتيل بني جعفر ، فأبى الجعفريون ، فشبَّت الحرب بينهم، وخُذل فيها بنو جعفر ، فحكم جوّاب بن عوف سيد بني أبي بكر بنفي الجعفريين عن مواطنهم ، فلحقوا ببني الحارث بن كعب في نجران ، وأقاموا فيهم حولاً . وقد غضب لبيد من حكم جوّاب فقال متهكِّمًا :
وكان زعيم الجعفريين في المنفى أبا براء عامر بن مالك ، وهو ملاعب الأسنة عم لبيد ، وقد أبَى مصاهرة بني الحارث بن كعب ، وأمر قومه بسرعة الرحيل وألا ينزلوا حتى يقطعوا ثنية القَهْر ، ثم لحق بهم وأخبرهم أن بني الحارث أرادوا أن يكون الجعفريون أذناباً لهم يحاربون بهم قبائل العرب ، ثم نصحهم بالعودة إلى أوطانهم والنزول عند حكم جوّاب ، وهكذا كان .
لقد سار الجعفريون إلى المنفى من الشمال إلى الجنوب بانحراف نحو الغرب ، ويدل على رسم المسار قول لبيد :
وهذان الموضعان يقعان في الشمال الغربي من رنية .
** أين كان لبيد يوم راقب البرق ؟
لقد راقب لبيد البرق في طريق عودتهم إلى بلادهم من منفاهم ، فكان ذلك بعد أن دخلوا في بلدان بني عامر . وأرى أن يكون المكان الذي ارتفق فيه لرؤية البرق والمطر يقع قريباً من عقيق عُقَيْل ( وادي الدواسر حاليًّا ) ، وفي الشمال منه تحديدًا ؛ حتى يكون غير بعيد من الأطراف الجنوبية للسحاب فيكون تصوُّره دقيقًا .
وردًّا على تساؤل قد ينشأ ، مفاده : لماذا استقر في ذهنك ذلك ؟ أقول : إن دعاء لبيد لبلاد بني عامر كلها بالخصب يدل على أن حدة الغضب على بني أبي بكر ابن كلاب قد خفَّت كثيرًا ، وأن طريق العودة سوف تشق بلاد بني كلاب مستقيمة نحو الشمال حيث موطن بني جعفر الأصلي .
هذه الخريطة تمهيد لما بعدها من كلام
** سياحة جغرافية في مواضع القصيدة :
لن نتطرق إلى شرح أبيات لبيد شرحًا أدبيًّا خشية الإطالة ، ولأن ذلك مبسوط في الكتب بما يغني عن تكراره . ولقد ذكر لبيد في قصيدته تسعة مواضع ، هي :
رهو - مداخل - الصحرة - عماية - صاحة - البدي - الكُلاب - سرة الركاء – الأعراض .
وسنقف بادئًا عند المواضع الخمسة الأولى :
إن هذه المواضع تحتل أقل من درجتين عرضيتين بين خطَّيْ عرض 21 شمالًا و23 شمالًا ، وأولها من الجنوب ما ورد باسم رهو ، ثم يليه الصحرة ، فمناجل ، ثم صاحة ، ثم عماية ، ومجرى الركاء بين الأخيرتين .
1- رهو :
لقد جاء هذا الموضع في قصيدتين لـ (لبيد) مصحَّفًا ، ففي هذه القصيدة ورد بالراء ثم الهاء فالواو في آخره ، وفي قصيدة أخرى جاء بالدال ثم الهاء فالراء في آخره ، إذ يقول لبيد :
أصاحِ تَرى بُرَيْقًا هَبَّ وَهْنًا * كمصباحِ الشعِيلةِ في الذُّبالِ
حتى يقول :
وأصبحَ راسيًا برُضامِ دَهْرٍ * وسالَ بهِ الخمائلُ في الرِّمالِ
وحطَّ وحوشَ صاحةَ من ذُراها * كأنَّ وُعُولَها رمكُ الجِمالِ
على الأعراضِ أيمنُ جانبيْهِ * وأيسرُهُ علَى كُورَيْ أُثالِ
ونقل السيوطي عن ابن السكيت , رحمهما الله , قوله : ( بدوتان جبلان مُنَكَّرانِ ... في بلاد بني عُقيل ، ودهوانِ غائطانِ لهم ) .
ودهو هذا وادٍ يقع جنوبًا من وادي الحمل ويوازيه ، وتعترض الآكام بعض مواضعه ، ويبدأ من أطراف جبال ضمار متجهًا - بإجمال - نحو الجنوب الشرقي ؛ حتى تسيح مياهه في أرض منبسطة قريبة من الأطراف الجنوبية لرمل الدبيل ( نفود الدّحي ) . وقد أصاب لبيد وصف نهايته حين قال : وسال به الخمائل في الرمال .
2- مداخل :
ورد هذا الموضع في رواية أخرى باسم ( مناجل ) ، وهي جبال سود تمتد على مساحة كبيرة ، وربما كان اسم مداخل لبعض أجزائها فتم تغليبه عليها كلها .
3- الصُّحْرة ( بصاد وحاء مهملتين ) :
هي جبال قليلة الارتفاع تقع جنوباً من مناجل ، وتسمى الآن ( الصُّخرة ) بإبدال الحاء المهملة خاءً معجمة . وينطبق عليها التعريف اللغوي من حيث الشكل واللون ، فمن حيث الشكل فإن في جهتها الشرقية فراغًا تنجاب عنه الجبال ليس فيه إلا مرتفعات يسيرة ، أما من حيث اللون فإنها ذات غبرة في حمرة خفيفة إلى بياض قليل .
4- عماية :
هضبة ضخمة عالية المناكب ذات شعاب ومسالك ، وهي أشهر من أن نعرِّف بها إذا ما علم القارئ أنها حصاة قحطان في الوقت الحاضر .
نقل ياقوت عن أبي زياد الكلابي , رحمهما الله , قوله : ( وإنما سمِّي عماية لأنه لا يدخل فيه شيء إلا عمي ذكره وأثره ) .
5- صاحة :
هضبة ضخمة تقع بين مناجل وعماية ، ويفصل مجرى وادي الركاء بينها وبين عماية .
صاحة .. منظر من وادي الركاء
** البديُّ والكُلاب :
إن أبيات لبيد لا تحتمل التأويل ولا التمحُّل ؛ فهو يصف المطر على جزء من أرض بني عامر , أستطيع القول بأنه يسير إذا ما قُورن ببقية أرضهم التي تمتد بين الأعراض والبياض وبين النائعين وأطراف تثليث .
إن الوصف الدقيق الذي أبرز حركة الماء في هذين الواديين وسرة الركاء يجعلني أُرجِّح إلى درجة اليقين أن لبيداً سبق أن شاهد سيلاً مشابهاً في المنطقة المذكورة ، فكأنما رسم خريطة دقيقة لهذه الأودية بإمكانات التقنية الحديثة .
والسحاب الذي رآه لبيد مالت به الجنوب نحو الشمال فتجاوز صاحة وما صاقبها من الغرب ، ثم استخفته ريح الشمال فاعترضته ، فظل يهطل على هذا الموضع حتى سالت الأودية وهدّت فيها فروعها ؛ مما جعل البدي يلاقي الكلاب فتتلاطم أمواج أتيَّيْهما .
لقد عرف لبيد هذه المنطقة ؛ وحيث أرى أنه شاهد سيلاً مشابهاً ذات مرة ، فإنه قد قدَّر أن الانحدار العام في هذه الأرض ضئيل ، وأن للأودية التي رشحها للاعتلاج روافد بعيدة يختلف نصيب كل منها من المطر عن الآخر , فاستخدم كلمة ( الأتيّ ) وهو السيل الغريب لا يُدري من أين أتى , أي في لغتنا الدارجة عَوِيرٌ .
إن حركة الماء التي صوَّرها لبيد تتمثل في الاعتلاج أو التلاطم ثم في الدعدعة ، وهي السير في بطء والتواء . وخشية الإطالة فإنني سوف أتحدث عن هاتين الحركتين ضمن الحديث عن البدي والكُلاب.
نطاق هذا الموضوع .. يتبين فيه بعض مجاري الأودية ملونة بالأزرق من موقع قوقل إيرث , مع ملاحظة أن الخريطة جرى إمالتها عن الشمال بدافع الاستيعاب
** أين البدي وأين الكُلاب ؟
يصبُّ في بطن الرَّكاء - بفتح الراء المشددة - أربعة أودية ، هي :
1- وادي السرحي : ويأتي من الشمال وينحدر معظم سيله في منخفض من وادي الركاء هو أقرب إليه من سرة الركاء ، فلا يُرشَّح لموضعنا هذا .
عماية من بعيد , وهذا إقبال وادي السرحي نحو منخفض الركاء
2- وادي الأرمض الجنوبي : ويأتي من الجنوب متَّجهًا إلى منطقة في بطن الركاء أكثر انخفاضًا وأبعد نحو الشرق , فلا يرشح للدعدعة .
3- أعلى وادي الركاء : ويأتي من الغرب بانحدار 3 أمتار للكيلومتر الواحد , وترفده أودية في بداياته ، منها : الدَّخول , وذِقَان , والرَّحَاويّ , والأرْوِسَة ، كما تصب فيه شعبة من وادي هُبَيّ تخترق الرمال المتكاوسة . وهبيّ وادٍ طويل سنتطرق إليه لاحقًا .
4- وادي الأريمض أو الأرمض الشمالي : ويأتي من الجنوب الغربي بانحدار مترين للكيلومتر الواحد ويقطع مسافة طويلة ، وتوجد فيه آبار قديمة وآثار تدل على استقرار بشري قديم أكاد أجزم بأن الزراعة من أهم مقوماته . وهذا الوادي أرى أنه تعدَّى إليه اسم الأرمض من أخيه الأرمض الجنوبي ؛ فقد نقل السيوطي عن ابن السكيت أن الأرمضين واديان ، وذكرهما بعد صاحتين .
لقد كان لبيد دقيقاً في اختيار الكلمات ؛ فقد قال : لاقى ، ولم يقل : قابَلَ . وهذا يعني أن الواديين يسيران إما إلى اتجاه واحد وإما يسير أحدهما إلى وجهةٍ ما فيلاقيه الآخر في موضع ما قبل وصوله إلى وجهته فيسير معه في اتجاهه . ولتطبيق هذا التصوُّر في تلك الأرض على الواقع أقول :
إن هناك احتمالين لا يرجح أكثرهما صِحة إلا مراقبة الحدث إما بالجلوس فوق جبل أبو شوشة حين تسيل تلك الجهة أو المراقبة بالطائرة العمودية , وإذا توقعنا أن لبيدا راقب ذلك بغير طائرة فلنا أسوة به وهذا أقرب شيء إلى متناولنا :
_ الاحتمال الأول ( وقد كان رأيي الوحيد ) :
ينطلق من وادي هبيّ قبل وصوله إلى الركاء شعبة يُمنى تسمى الرَّقرَق - بفتح الرَّاءين - تمتد نحو عشرين كيلومترًا بانحدار عام يبلغ أقل قليلًا من أربعة أمتار للكيلومتر الواحد ، وتعترضها عقبات من الرمال غير الثابتة تكثر أو تقل بحسب ندرة الأمطار أو غزارتها ، فإذا التقى الرقرق بالأريمض قابل سيله فراغاً منخفضاً يمتد أمامه أكثر من كيلومترين ، فيتقاطع مع سيل الأريمض متجهاً بسرعة نحو هذا المنخفض الذي تقسمه بعض التلال فتحول دون وصول سيل الأريمض قوياً إلى شقه الشمالي ، وهنا يظهر طغيان أحد الواديين على الآخر . وحيث يوجد انخفاضان آخران إلى اليسار من مجراهما فلا بد لهما من ملئهما ، فتكون تلك هي منطقة الاعتلاج عند تقاطع خط العرض 40-22-22 شمالاً مع خط الطول 20-40-44 شرقًا . ثم بعد اعتلاجهما فإنهما يعبران بين جبلين اسم كل منهما أبو شوشة فيتجهان إلى سرة الركاء ليدعدعاها في دائرة قطرها نحو كيلومتر ونصف الكيلومتر شبه مستوية ترتفع عن سطح البحر 830 متراً عند تقاطع خط العرض 00-25-22 شمالاً مع خط الطول 30-42-44 شرقًا .
ويساعد على هذه الدعدعة اعتراض سيل وادي الركاء حينما ينحدر نحو هذه السرة ، فكأنما يقف حاجزًا دون تجاوزهما إلى نهاية المنخفض ، فيلتف موج البدي والكلاب ببطء والتواء مما يحقق تماماً معنى الدعدعة . وهذا الاحتمال أكثرت من السؤال عنه عند الإخوة الكرام الكهول والشيوخ في حصاة آل عليّان ورجالا آخرين , وبسطت الخريطة أمامهم غير مرة , فكان هذا الاحتمال مظنة الرضى والموافقة عندهم .
كان لقلة الأمطار في العقود الأخيرة دور في تراكم الرمال في منطقة الاعتلاج المرشحة في الاحتمال الأول
- الاحتمال الثاني ( وهو الرأي الذي أصبحت أميل إليه ) :
أن يكون الاعتلاج ثم الدعدعة في مكان واحد أو مكانين متجاورين لا يفصل بينهما شيء , فحين ينحدر سيل أعالي وادي الركاء نحو الشرق إلى حيث يخرج من بين الجبال فإن سيل الأريمض يكون منطلقا إليه بحيث يلتقيان في فراغ كبير فيعتلجان ؛ فيغلب أقوى السيلين أضعفَهما بدلالة البيت الأول ( موج أتييهما لمن غلبا ) ثم تأتي الفاء للمباشرة حيث يأخذ الغالبُ المغلوبَ ( أو لنقل يُلزمهما الانحدار العام وهو بمثابة القاضي ) إلى النقطة المنخفضة وهي التي لا حد لها بدقة إلا أنها تزداد انخفاضا باتجاه الشرق . وسأسأل عن إمكانية قوة هذا الرأي أمام الراي السابق بإذن الله فيما بعد .
اتجاهات الأودية والاعتلاج والدعدعة
إن الموقع النحوي لكل من البدي والكلاب في بيت لبيد يجعل فاعل الملاقاة هو البدي ومفعولها هو الكلاب . وعند تطبيق ذلك على الواقع أقول: إن سيل الكلاب كان يسير باتجاه شمالي شرقي ، فلاقاه سيل البدي من الجهة اليسرى باتجاه جنوبي شرقي ، فسار بعد هذا الاعتلاج معه في مجراه . وكلا الاحتمالين يؤيده .
إذا أخذنا بالاحتمال الأول , فإن الكلاب هو وادي الأريمض الذي ينماز بوجود موارد مائية قديمة هي من الكثرة بمكان ، وبوجود بعض الآثار الطينية والحجرية التي تدل على تقادم عهد السُّكنى في هذا الوادي . أما البدي فسيكون وادي هبيّ الذي انشعب منه وادي الرقرق فانحدر إلى وادي الأريمض وزاد من غزارته انصباب شعبة من الركاء في جانبه الأيسر قبل وصوله إلى الأريمض . أما إذا أخذنا بالاحتمال الثاني فإن الأريمض هو البدي بسبب كثرة الآبار فيه وأكثرها قديم , ويكون أعلى وادي الركاء هو الكُلاب .
وإنني أنتهز فرصة هذه الكتابة لقراء هذا المنتدى الكريم أن يشاركوني الرأي عندما يزورون تلك المنطقة مشكورين .
جانب مما بين الأرمضين
وقبل أن نغادر هذا المعتلج بقي أن نشير إلى قول لبيد :
إن بلاداً عريضة كبلاد بني عامر لا بدَّ أن يكون لديها إنتاج زراعي محلي ، وخصوصًا تلك المحاصيل التي يصعب الإتيان بها في ذلك العصر من مزارع بعيدة ، وما يمكن أن يكون موقع إنتاج زراعي في قرون غبرت قد تتوقف فيه الزراعة قرونًا أخرى لأسباب طبيعية أو بشرية . واختار لبيد القرع والأخشاب لإمكانية رؤية هذين النوعين من بُعدٍ إذا ما علمنا أن لبيدًا يرسم في شعره لوحة فنية محسوسة بين النظر والسماع .
ولكننا في رحلة البحث عن أبيات لبيد لم نغادر المنطقة , فلعلنا نتحدث عن بعض ما حولنا هناك ...
** معدن خزبة :
يصب في أعالي وادي هبي من جهته الجنوبية رافد كبير يسمى وادي أم حثول ، وبين مجرى هذين الواديين منطقتان تعدينيتان ، تقع الجنوبية منهما في هضاب أم حديد ، والشمالية غرب مجرى وادي هبيّ فيما بينه وبين جبل أحيمر ، وبقربها آبار كثيرة مالحة تسمى الهميجة وتقع قرب خط العرض 00-25-22 شمالاً وخط الطول 00-22-44 شرقًا . وينطبق وصف الموقع على ما ذكره علماء البلدان حول معدن خزبة استنادًا إلى ما يلي :
1- خزبة معدن لبني عبادة من عُقيل .
2- من اليمامة على ثماني ليالٍ أو عشر .
3- بين عمايتين والعقيق ، وبها أمير ومنبر ، ويقال فيه : الخزبات .
4- خزب جبل أسود قريب من خزبة .
5- خزيبة اسم معدن .
قال لغدة الأصفهاني , رحمه الله : ( وفيها مياه ملحة ، وكانت جبالها إنما هي فضة ، وكان الناس يعيشون فيها ، فلما كثر بها أهل اليمامة وبغوا فيها وسفكوا فيها الدماء مسخت معادنها التي كان فيها النَّيْل الكثير ... والنَّيْل هو الفضة ) .
وقد حدَّد الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - في تعليقه على كتاب الجوهرتين للهمداني أربعة مواضع كلها بعيدة عن هذا الموقع .
وأقول ، ولم أشأ أن أطيل الأدلة والاستدلالات : إن أوصاف المتقدمين لمعدن خزبة وخزيبة وما قيل من أنها الخزبات لتدلُّ على أنها تلك التي في أعالي وادي هبيّ . وتبيِّن خريطة المعادن في المملكة أن إنتاج تينك المنطقتين فضة ورصاص وزنك . وأميل إلى أن جبل أم حثول هو جبل خزب إذا ما علمنا أنه أكبر جبل أسود قرب الموقعين .
** الأعراض :
العِرض في اللغة : كل وادٍ فيه قرى ومياه أو نخيل . وقال ياقوت , رحمه الله : الأعراض قرى بين الحجاز واليمن والسراة .
ولقد ذهب بعض الباحثين إلى القول : إنها عرض شمام أو عرض اليمامة . وهذان العرضان لا ينطبق عليهما الوصف ، فضلًا عن كونهما في غير بلاد بني عامر ، فالأول في بلاد باهلة بن أعصر إخوة غني الذين كانوا سبباً مباشراً في نفي بني جعفر ، فلن يدعو لهم لبيد بالسقيا , والثاني في بلاد حنيفة وتميم .
والأعراض في شعر لبيد هي أعراض قومه العامريين من بني كلاب وبني هلال ، فمناطقهم ذات أشجار كثيرة وكثيفة ومواطن استقرار بشري وتقع إلى الخلف من معتلج الركاء .
يقول امرؤ القيس :
ولبيد بهذا يؤمل أن تصيب أطرف هذا المطر أعراض قومه لتسقي البلاد الممحلة فتنبت أحرار البقول وألوان الزهر في بلاد تحلها حبيبته أسماء لترعاه ويرعاه قومها ذوو المجد والحسب .
أرجو أن أكون قد أفدتُ القرَّاء بجِلاء متون النصوص , وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد .
* بعض المراجع :
- ديوان لبيد بن ربيعة العامري رضي الله عنه .
- عالية نجد لسعد بن عبد الله بن جنيدل رحمه الله .
- نظرات في معاجم البلدان لعبد الله بن محمد الشايع .
- كتاب الجوهرتين لابن الحائك الهمداني وتعليقات حمد الجاسر رحمه الله عليها .
- بلاد العرب للغدة الأصفهاني رحمه الله .
- معجم البلدان لياقوت الحموي رحمه الله .
- كتاب الطريق للقاضي وكيع .
- المُزهر للسيوطي .
- خريطة مواقع المعادن في المملكة العربية السعودية ، وزارة البترول والثروة المعدنية .
- خريطة حصاة قحطان وجزئياتها التفصيلية ، إدارة المساحة الجوية بوزارة البترول .
* هذا الموضوع نشر في وراق الجزيرة في عددها ذي الرقم 12036 بتاريخ 7 / 8 / 1426 هـ بعنوان ( رد الاعتبار لقصيدة لبيد ) , وهنا زيد فيه .
سعد بن علي بن شعيلان الماضي
الدوادمي- الشعراء
اعتذار : لم تكن الصور مهيأة لتضمينها في هذا الموضوع , وأعتذر عن قلتها وعدم تغطية المواضع الأخرى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الله يبارك فيك يابوعلي لقداجليت غموض الاعتلاج والدعدعه في قصيدة لبيد بن ربيعه
الذي وصف المشهد كانه واقف امامه وبدقة متناهيه .
بارك الله فيك واثابك وياليت تكثر لنا من هالمواضيع القيمه
لاعدمتك
التعديل الأخير تم بواسطة محمد بن سيف ; 15-03-11 الساعة 01:20 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الله يبارك فيك يابوعلي لقداجليت غموض الاعتلاج والدعدعه في قصيدة لبيد بن ربيعه
الذي وصف المشهد كانه واقف امامه وبدقة متناهيه .
بارك الله فيك واثابك وياليت تكثر لنا من هالمواضيع القيمه
لاعدمتك
ما زلت أتذكر نقاشنا حول عدم وضع خريطة في الموضوع حين نشره في الجريدة , وكنت قد أرسلت إلى الناشر هداه الله أولا ثم جزاه خيرا ثانيا خريطتين إحداهما لفكرة الدعدعة والأخرى لمواضع بني عامر التقريبية فلم ينشرهما , كما كان المقال مسجلا على 18 صفحة فاختصرته إلى 11 لينشر في حلقة واحدة .
شكرا لك ومنك نستفيد حين ذهابك يوما إلى هناك بإذن الله
عاتبني بعض الإخوة على الاختصار في تعاملي مع حادثة انتقال بني جعفر من بلادهم إلى بلاد بني الحارث بن كعب , فعزمت على نقل هذه المعلومة من أقرب مرجع , ولكني رأيت مقالة لشيخنا حمد الجاسر رحمه الله , نشرت في العدد الخامس من السنة السابعة من مجلة " العرب " الصادر في ذي القعدة من سنة 1392 هـ . تحت عنوان ( تحديد منازل القبائل القديمة على ضوء أشعارها ) , فوجدت فيه المعلومة المطلوبة وتصحيحا لاتجاه بني جعفر حين غادروا ديار بني الحارث .. والحديث طويل ولكني سأقتص منه ما يفيد المناسبة :
أما بنو جعفر بن كلاب بن ربيعة أسرة لبيد وقومه فكانت بلادهم متصلة ببلاد قومهم بني عامر , وكانوا مع إخوتهم بني الضباب ( واسمه معاوية ) , الأم واحدة والمحلة واحدة والمرعى واحد . حتى حدثت الفرقة بينهم يوم هراميت , فانتقل الضباب إلى ناحية وبنو جعفر إلى ناحية أخرى , وافترقوا بعد الألفة . وتتابعت بينهم الحروب والوقعات , ولكن الهزائم كانت تلحق ببني جعفر , فهزموا في يوم طخفة وعرجة والهضيبات والريان , وقتلوا رجلا من إخوتهم بني أبي بكر ابن كلاب , وكانت قبيلة غني قد قتلت رجلا من بني جعفر , وكانت غني مجاورة لبني أبي بكر , فأراد رئيس بني عامر الإصلاح بين القبيلتين بني جعفر وبني أبي بكر , وهو جوّاب واسمه مالك بن كعب من بني أبي بكر , فقال لهم : قد أصابت غني منكم دمًا , وأصبتم منا دمًا , فبوئوا أحد القتيلين بالآخر ! فأبت بنو جعفر , وقامت الحرب بينها وبين إخوتها بني أبي بكر , فخُذل الجعفريون , فنزحوا من بلادهم , فجاوروا بني الحارث بن كعب . وبلاد هؤلاء تقع في الطرف الجنوبي الشرقي من بلاد بني عقيل وجعدة وخويلد , وكلها بطون من بني عامر , ولكنهم لقوا من حيف بني الحارث وظلمهم ما فضلوا معه نار أقاربهم على جنة هؤلاء , فقد حاول الحارثيون مصاهرتهم بدون رضاهم , ومحالفتهم فهربوا عائدين حتى نزلوا بأرض بني قشير .
ثم اضطروا للخضوع لحكم جواب , فقصدوا بني أبي بكر , ونزلوا على جواب ورضوا بحكمه , فحكم عليهم . فذلك قول لبيد :
أبني كلاب كيف تنفى جعفرٌ * وبنو ضبينة حاضرو الأجبابِ
قتلوا ابن عروة ثم لطّوا دونه * حتى نحاكــــمهم إلى جوابِ
الأجباب منازل لبني جعفر نفيت عنها , وأقامت بها غني , وذلك حينما رفضوا حكم جواب فنفاهم إلى بني الحارث , كذا قال صاحب النقائض , ولو كان رحيلهم إلى بلاد بني الحارث نفيًا لهم بحكم جواب لما احتاجوا إلى الرجوع إليه مرة أخرى لطلب حكمه . وهو وإن سوى القضية أخيرا بالعفو عن قتيل قومه بني بكر , ودفع دية قتيل غني من ماله ..
ثم يرى الشيخ حمد أن لبيدا قال الشعر ليستلين قلوب قومه لئلا يشتطوا عليهم في الحكم , وأن غنيًّا حلت الأجباب في غيابهم ..
أعقب على قول الشيخ حمد باستدراك واحد هو أن بلاد بني الحارث بن كعب تمتد على طول التخوم الجنوبية لبني عُقيل وجعدة , وربما كانوا إلى الجنوب الشرقي من ديار خويلد كما يرى هو باستدلالي بمواضع أشعارهم .
وأستدرك على ما ذكرتُه في صلب الموضوع من أنهم سيسيرون بخط مستقيم نحو ديار قومهم , فإذا كان ما ذكره الشيخ حمد نقلا عن صاحب النقائض " أبي عبيدة ابن المثنى " ثابتا في المصادر الأخرى فإن معنى ذلك أن بني جعفر قد اخترقوا الأرض التي ذكرها في قصيدته , أو على الأقل مروا بين مناجل والصحرة , لأن بلاد بني قشير تحتل الريب " الرين " وعنان وتقع بلاد بني جعدة إلى الشرق من مناجل والصحرة .
أرجو أن يكون تعقيبي هذا مفيدا للمتسائلين , والله ولي التوفيق .