رئيسية المنتدى

ادعم الرحلات في الفيس بوك

الرحلات على تويتر

 
العودة   منتديات الرحلات > المـنـتـــديــــات الأســاســـية > رحلات أثرية والأطلال

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-11-10, 01:50 PM   #1
عارف الشعيل
 
افتراضي الرحلة اليابانيه الى الجزيرة العربية -----------1-

اليوم الخامس
قطيع الغنم وقت الفجر
الحادي والثلاثون من مارس

الساعة السادسة صباحاً

استيقظت على صوت "السانية" الصوت مستمر لا ينقطع، وأذكر أنني سمعت صوت السانية في حوالي الساعة الرابعة والنصف فجراً- والظلمة لا تزال تغطي الكون- فنهضت، وشاهدت من نوافذ (فتحات) الخيمة الضيقة قطيع غنم يقوده أحد الرعاة، كان بعضها يصدر صوت "مياء مياء" لكنها- بصورة عامة- كانت تسير بهدوء شديد، وكانت الأغنام تفضل أن تمر بجوار خيمتنا، وعلى حافة الطريق، مما جعل الخيمة تهتز، ورحت أراقب القطيع فترة. استيقظ الوزير بعد وقت، وقدم إلي، وقال: "لقد تعجبت من هذا الصوت... "
انقشع الظلام تدريجياً وأشرقت الشمس.
كان الهواء في الجو كالمعتاد، غير أنني شعرت بالرطوبة تتزايد، كما أمكن مشاهدة عيدان القمح، كانت رفيعة جداً بصورة تلفت النظر، ربما لا يهتم بها أحد!! كنت أسمع صوت السانية طوال الليل، وهذا يعني أن العمل بالزراعة يتم طوال الليل بدلاً من النهار.
ورحت التقط صورا للمنطقة المحيطة بخيمتنا. ثم تناولنا طعام الإفطار، الذي كان ألذ طعام إفطار تناولته طوال الرحلة. لماذا؟ لا أدري.. كان مكوناً من الجبن، والزبدة، والمربى، والخبز العربي، وفاكهة معلبة، وبرتقال، وتفاح طازجين، بالإضافة إلى الشاي وحليب الماعز والبيض المقلي، كان لون البيض أصفر فاقعا، مما يدل على أنه طازج جداً، ولكنهم استخدموا "السمن " في قليه، فكانت رائحته غير معتادة لي، وأضيف للبيض الملح الصخري مما جعل الرائحة تتلاشى، فكان البيض لذيذا حقاً.
ربما كان سبب هذا الطعام الكثير أن اليوم هو آخر يوم في رحلتنا على الطريق، وغدا سنصل إلى الرياض، فاستخدموا كل المخزون من الطعام لديهم.
كان علي بعد برنامج الرياض أن اتجه مع المهندس ميتسوتشي إلى منطقة الخليج، الأحساء والبحرين، بينما كان على الوزير أن يرجع إلى جدة وحده، ولهذا شعرت أنه قد يواجه كل واحد منا متاعب مختلفة، وعلى كل حال سنصل إلى الرياض سريعا، ولهذا كنا سعداء، وشعرنا بلذة الطعام.

"السانية" الآلة العربية



كان لدينا وقت كاف بعد تناول الطعام، فخرجنا نتجول حول الخيمة، فرأينا "السانية" التي بدت لنا كأنها مقصلة عرضها حوالي 90 سنتمترا وارتفاعها حوالي ثلاثة أمتار. وتوجد حفرة يرتفع منها عمود، وسطح مصنوع من ألواح الخشب، وتحت هذا السطح بئر قطره متر ونصف المتر، وعمقه عشرون متراً، وتوجد خمسة غروب، يبدو أنها مصنوعة من جلد الغنم، لسحب الماء إلى أعلى البئر.
ورأينا خمسة حمير وبعض الرجال يلبسون ملابس تشبه ملابس الفلاحين في مصر، ومعهم طفل، كان الطفل يركب على الحمار، وعلى ظهر الحمار حبل سميك يتفرع إلى اثنين عند رأس الحمار، واحد يتجه إلى أعلى البئر، والآخر عند الجزء الأسفل من البئر، والحبل العلوي يذهب إلى الغرب، الذي حمل الماء من البئر، والحبل السفلي يتجه إلى الغرب، كان الحبل السفلي أقصر من الحبل العلوي بنحو ثلاثة أمتار، وكان الحمار حين يقترب من البئر ينزل الغرب في البئر، وحين يبتعد عنه يخرج الغرب وقد امتلأ من ماء البئر، وهكذا يتم إخراج الماء من البئر عن طريق هذه الغروب المصنوعة من جلد الغنم. وتستمر هذه الحركة ذهاباً وإياباً، وهكذا اعتاد الحمار هذا العمل.
وأخذت أعد للحمار: واحد.. اثنان.. ثلاثة.. إلى العدد العشرين، وحين يود الطفل إراحة الحمار يضربه بالعصا فيتوقف عن الحركة.
غمرني شعور بالتعاطف مع الحمير، لأن عليها أن تعمل طوال الليل، وهي حيوانات تمتاز بالصبر، أذكر أنني رأيت في مصر ساقية بدائية، وهذه السانية مثلها، لكنها لا تشبهها في جميع الوجوه ة فالساقية في مصر تدور فيها بقرة عصبوا عينيها، فتظل تدور حول البئر، ويتحرك الماء في دواليب من الصاج، لكنهم هنا يستخدمون الحمير، والطريقة مختلفة تماماً، هذه الطريقة معقدة أكثر من الساقية، ورحت أحسب: الحمار يذهب تجاه البئر، ويعود في دقيقتين، ويخرج من الماء حوالي عشرة ليترات، وإذا استمر هكذا مدة ساعة فإنه يخرج 300 لتر من الماء. وهي كمية كبيرة من الماء يخرجها الحمار في ساعة. والبقرة في مصر أسعد حالاً من الحمار هنا، فهي معصوبة العينين، ولذلك تمضي وكأنها تسير في طريق واحد، كما أنها تعمل في النهار فقصر، وليس في الليل، فتكون لديها فرصة للراحة، وعلى أية حال هذه هي الطريقة البدائية لاستخدام الآلة لدى أهالي نجد، أخذنا نصور هذه السانية قبل أن ننطلق في المرحلة الأخيرة من الرحلة على الطريق المؤدي إلى الرياض.

الساعة السابعة والنصف صباحاً

بدأنا نتحرك، وبعد قليل وصلنا خارج الجبيلة، كان الطريق سهلاً منبسطا، وكانت هناك لوحات إرشادية بعد كل مسافة، تشير إلى اسم المكان، وانطلقت السيارة بسرعة 80 كيلاً في الساعة، وشعرت أننا اقتربنا من الرياض، وقبل التاسعة- وعلى بعد حوالي ثلاثة أكيال- شاهدنا واحة خضراء، وصاح السائق:
الرياض……الرياض.
تراءى لنا من بعد منظر قلعة ثم بان لنا سورها، ونوافذها، والمباني العربية الأصيلة في الصحراء، شعرت أن القلعة ضخمة، قلعة الشمسية حيث يقيم الملك، كان مظهرها بسيطا جداً، وسرنا متجهين إلى مركز الدعوة الوهابية.. إلى الرياض.
كان الطريق الذي نمضي فيه يبدو كأنه عبد منذ شهرين أو ثلاثة أشهر، شعرنا بملامح الحضارة على هذا الطريق، وواجهنا سور قلعة صغيرة، محاطة بأشجار النخيل، واتجهنا جهة الجنوب الغربي، و فجأة انقطع الطريق.
ووجدنا طريقا ضيقا جداً يسمح بمرور سيارة واحدة، وتعجبت: هل نحن في الرياض أم لا؟
هناك بدو يسوقون الأغنام، وقرويون يلبسون المشالح، ونساء غطين أجسامهن تماما بالملابس السوداء. وأخذ الجميع ينظر إلى سيارتنا نظرات حب استطلاع وفضول، وحف الطريق بالأشجار التي شدت عليها أسلاك، ربما كانت أسلاك كهرباء أو أسلاك هاتف.

الساعة التاسعة وعشرون دقيقة

اتجهنا إلى الناحية الجنوبية الغربية، على بعد عشرة أكيال من قصر الرياض، وصعدنا على مرتفع أمكننا أن نشاهد منه وادي حنيفة، لكننا لم نر فيه ماء على الإطلاق، وأمكننا أن نشاهد أيضاً خياماً مقامة للمعسكرات، وليس للسكن، أوقفنا السيارة ونزلنا نشاهد تلك العلامة التي كتب عليها Art no 43 st Heavy dut Spudder مصنوعة في أمريكا، هذا يعني أن شركة أمريكية تعمل هنا.
كان سور القصر (القلعة) يغطي مساحة كبيرة، ومحاطاً بأشجار النخيل. حين كنت في القاهرة ذهبت مرة إلى مطار ألماظة، وفي الطريق شاهدت قصرا في الصحراء، وتذكرت حكايات ألف ليلة وليلة، لكنني أشعر هنا فعلاً كأنني أعيش في وسط هذه الحكايات، حكايات ألف ليلة وليلة؛ لأن الجو المحيط بي هنا، والهدوء الشديد، وقسوة الصحراء توحي بذلك تماماً، بالإضافة إلى ملامح منطقة نجد الشهيرة في الأدب العربي، فهذا كله يختلف عن الجو العام في القاهرة، وهذا ما جعلني أشعر كأنني أعيش فعلاً حكايات ألف ليلة وليلة..

قصر البديعة

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

خيم الصمت علينا جميعاً، لم ينطق أحدنا بحرف. ثم سرنا بمحاذاة سور القصر فوجدنا "بناء" مشيداً من الطين، عرفنا فيما بعد أنه مرأب سيارات، وبعد أن سرنا مسافة عشرين مترا تقريبا أوقفنا السيارة أمام البوابة، هذا هو قصر البديعة، كان مصمما على الطريقة العربية. وسنبقى هنا عشرة أيام من الآن. قبل سنة حضر إلى هذا القصر أحد لوردات الأسرة المالكة البريطانية مع زوجته، ونزلا فيه!!
ترجلنا من السيارة، فوجدنا عند البوابة ثمانية من رجال الحرس مع بنادقهم الطويلة، وحين اقتربنا منهم، قال أحدهم- وأظنه قائدهم: اضرب.. فبدءوا في إطلاق الأعيرة النارية تحية لنا.. ورفعنا لهم أيدينا بالتحية، كانوا ينظرون إلينا ووجوههم كلها تنبئ عن الصرامة والجد والمهابة، ويبدون في منتهى القوة، لكن قاماتهم تميل إلى القصر، كانت تقدر بحوالي 160 سنتيمترا، فقاماتهم تبدو أقصر من قامتي، وكان لهم شوارب، ولا يمكن معرفة أعمارهم، ويضعون على رؤوسهم الغترة والعقال، وكان لون الغترة شديد الخضرة، ويحملون البنادق ويلبسون "المعطف " مع السروال (البنطلون)، ويتمنطقون بأحزمة في وسطهم. دخلنا إلى الحديقة، فصاح قائدهم: "استراحة"، ثم صعدنا إلى الطابق العلوي.
يتكون المبنى من طابقين، وهو مشيد على طريقة المعمار العربي، شكل مربع مثل شكل الكعبة، وشكل جامعة الأزهر، وشكل قصر الحمراء في غرناطة في أسبانيا- لا يختلف عن تصميم الفن المعماري العربي الإسلامي، والسلالم ضيقة تسمح لرجلين فقط بالصعود معا، وهي مبنية بالطين، ويوجد ما يشبه السجادة على السلالم، يبدو أنها مصنوعة في اليابان، وفي آخر السلالم وضعت سجادة يبدو أنها مصنوعة في مصر، وحتى لا تتسخ السجادة وضعوا "حصيرة" لمسح الأحذية.
في الطابق الثاني المشيد من الطين قادونا إلى غرفة الضيوف، وهي غرفة واسعة مساحتها حوالي 30 تتامي (التتامي 90×180 سنتيمترا)، شممنا رائحة الطين، وكان هذا أول ما شعرنا به.
وفي الغرفة توجد حصيرة وضعت فوقها سجادة، وكان السقف مطلياً باللون الأبيض، وكذلك كانت جدران الغرفة أيضا، وعلى السقف نجوم وهلال وغيرها من الأشكال الهندسية. وكانت " عروق " الخشب ظاهرة من السقف، وكانت مطلية بخطوط حمراء وسوداء على شكل تموجات، وعلى الحائط كانت هناك زخرفة على الطريقة العربية، أشكال هندسية ومنمنمات. كان للغرفة سبع نوافذ أو ثمان، وحجم كل منها 60 ×30 سنتيمترا، وفي كل نافذة "شيش " من الخشب، لا يمكن فتحه مع قضبان حديدية، وهناك مساحة في أعلى النافذة مغطاة بالزجاج، تسمح لضوء الشمس بالمرور إلى الغرفة. ومن خلال هذه النافذة تمكنا من معرفة سمك الجدار، كان ثلاثين سنتمترا، وهذا السمك كاف لمنع دخول الحرارة إلى الغرفة.
وكانت هناك ستائر بدا واضحا أنها مصنوعة في اليابان، وشاهدنا خطاً كهربائياً في السقف، لكن هناك "مصباح " كهرباء، ربما هناك خطأ ما، وبجوار الحائط وضعت أريكة وكرسي من الخيزران وبجوارهما منضدة.
وفي وسط الغرفة وضعت طاولة صغيرة، ورأينا فوقها محبرة وقلما وسكينا، وكتب على المحبرة "صنع في اليابان "وهي من نوع (Pairolink)، ظننا بدءاً أنهم وضعوا أمامنا عمدا أشياء مكتوبا عليها صنع في اليابان، لكننا أدركنا بعد ذلك أن هذا لم يمكن متعمدا.
جلسنا نحن الثلاثة نتحدث عن الرحلة، ونتذكر ما حدث لنا، وفي أثناء ذلك وصل عبد السلام، وأخبرنا بأنه يود أن يطلعنا على بقية غرف القصر.
كان عدد الغرف كلها 15 غرفة، بما في ذلك غرفتنا، ودورة المياه، ومخزن الأمتعة، وغرفة الهاتف، وغرفة الطعام، إضافة إلى الغرفة المقابلة لغرفتنا في الجهة المقابلة لنا، إلا أن عبد السلام لم يأخذنا إلى هذه الغرفة.
كانت الغرفة التي نزلت فيها مع الوزير أطل على وادي حنيفة، ويمكن أن نشاهد منها أشجار النخيل خلف القصر، في حين كانت غرفة المهندس تواجه غرفتنا مباشرة.
ذهبنا إلى الغرفة المخصصة لنا، كانت مظلمة إلى حد ما، والطرقات المؤدية إلى الغرف أكثر إضاءة من الغرف ذاتها، ولكننا بالتدريج تعودنا على هذا الضوء الضعيف. كانت مساحة غرفتنا نصف مساحة غرفة الضيافة تقريبا، فيها سرير عال جداً مصنوع من الصلب، ربما يكون مصنوعا في أمريكا، ووضعت ناموسية في أعلى السرير، وكانت الوسائد والمراتب والألحفة مصنوعة من الحرير وسميكة، لكنها ناعمة الملمس، وكان لونها لون الورد، لذلك ظننت أن اللورد البريطاني الذي ينتمي إلى الأسرة المالكة نزل وزوجته في هذه الغرفة.
كانت تفوح من الغرفة رائحة الطين، وبها نافذتان مثلهما مثل نوافذ غرفة الضيافة، تطلعت من النافذة فشاهدت حديقة أشجار النخيل، ورأيت حيواناً ظننته أسداً، لكنني اكتشف بعد تدقيق أنه كلب.
كان سقف الغرفة مصنوعا من الطين، ويمكن من خلاله مشاهدة عروق سميكة من الخشب، وكانت الزخرفة والطلاء مثلهما مثل ما شاهدناهما في غرفة الضيافة.
وبجوار باب الغرفة منضدة وكرسي، ومرآة على المنضدة لا تعكس جيدا ملامح من ينظر فيها، مما يدل على أنها غير مستوية، وهناك خط كهربائي في السقف، لكنه لا يعمل، وكانت غرفة المهندس شبيهة بغرفتنا.
وتوجد دورتا مياه: واحدة قريبة من غرفتنا، والأخرى قريبة من غرفة المهندس. وكانت دورة المياه الكبيرة تتكون من ثلاث غرف: غرفة لخلع الملابس، ومساحتها (12 تتامي) تقريبا، ثم تنقسم بعدها إلى غرفتين: واحدة لقضاء الحاجة، والأخرى للاستحمام. ومعداتها مصنوعة من الخزف الوارد من بريطانيا. لم تكن في دورة المياه أوراق للتنظيف كما في اليابان!
أما غرفة الهاتف فهي آخر غرفة على طرف الطابق الثاني، والهاتف صناعة بريطانية، ويمكنه أن يتصل بأي من قصور الملك في الرياض. ولأول مرة بعد خمسة أيام من معاناة الرمال والتراب والعرق، استحممنا، لم تكن هناك مياه ساخنة، لذلك استخدمنا الماء الباردة الذي كان مريحا جداً، والصابون الموضوع في الحمام صناعة بريطانية ماركة "فينوريا" والفوطة صناعة مصرية، وعرضـها متران مثل طولها، وكانت من النوع الجيد جداً. وعرفنا أن مياه الحمام تجلب بالطريقة نفسها التي تجلب بها من البئر بالسانية، ثم توضع في خزانات على السقف، واعتقد أن هذه الأشياء ربما وضعت هنا حين استقبلوا الضيف البريطاني وحرمه.
(ربما يقصد الرحالة أنها تجلب بوساطة القرب التي تشبه الغروب).

مستشار الملك: يوسف ياسين

بعد الحمام شعرنا براحة كبيرة فداعبنا النوم، لكن يوسف ياسين- مستشار الملك السياسي- أتى ليرحب بنا نيابة عن الملك، كانت قامته أطول قليلاً من 160 سنتيمترا، ويرتدي "مشلحا خفيفا غامق اللون، وتحته جلباب أبيض، ويرتدي فوق رأسه غترة من الحرير وعقالاً أسود، وجهه مدور إلى حد ما، وله لحية يبلغ طولها حوالي 20 سنتيمترا، عيناه سوداوان شديدتا السواد، مفتوحتان على الدوام قل أن يطرف له رمش، فهو يفتح عينيه دائماً. وأنفه معقوف، ويبدو من مظهره أنه سوري، وليس من البادية العربية.
تبادلنا معه التحيات مدة عشرين دقيقة، ثم قال: لماذا لا نبدأ الليلة بترتيب برنامج الزيارة.
كان يتكلم العربية بلهجة سورية، لكنه كان في الغالب يتكلم الفصحى ببطء، ولمسنا أن لديه خبرة طويلة في التعامل مع الضيوف، وفي مجال العلاقات العامة، وفي إجراء الحوار مع البريطانيين والعراقيين وبلدان الشرق الأوسط، وهو مكلف بترتيب أمور العلاقات الخارجية فيما يتعلق باليابان والمملكة.
وأصبح المسؤول عن مرافقتنا في أي اجتماع رسمي من الآن فصاعدا. كان يخلع العقال، فهو يعتقد أن هذا نوع من البروتوكول حين يكون برفقة الأجانب. وحين كنت أراقب طريقة كلامه وطريقة سلوكه كنت أتذكر دائما "راسبوتين " عيناه الكبيرتان اللتان لا ترمشان أبدا، وتظلان على الدوام مفتوحتين، وأحيانا حين لا يجد الكلمات التي ينبغي له أن يقولها، أولا يجد إجابة لسؤال وجه إليه، فإنه يرفع رأسه، ويتطلع بعينيه الكبيرتين إلى السقف، وهذا ما جعلني فعلاً أتذكر "راسبوتين " إلا أن الرجل كان عطوفاً وودوداً معنا إلى حد كبير. أحياناً كنت أشعر من خلال مظهره وطريقته بالشعور نفسه الذي أشعر به تجاه الهنود أو المصريين، ولكنه أحيانا يكون جادا جدا، وتبدو على وجهه ملامح الشك الموجود بداخله، وهذه هي صفات الشخصية السورية تماما. ولكنه رغم كل هذا رجل مسلم، حسن الإسلام جداً، وهو من النوع الذي يصعب أن أجد له شبيها في أي مكان آخر، إذ هو رجل يتمتع بشخصية فريدة حقا!! غادرنا الغرفة، وتناولنا طعام العشاء دون رمال أو غبار أو تراب هذه المرة، تكون العشاء من: حساء بالسمن ولحم الضأن والأرز وبعض الحلوى، وشعرنا بأن كل شيء منظم ومرتب ونظيف جداً؛ فالأطباق والأكواب تمتاز بالبساطة، إلا أنها كانت مختومة باسم الملك، بحروف ذهبية، ربما أرسلها إلى القاهرة أو إلى بيروت لكتابة هذه الحروف عليها.

الساعة الثالثة بعد الظهر

اتصل بنا يوسف ياسين وقال لنا: إن الملك عبدالعزيز سوف يقابلنا عند الساعة الثالثة!
فشعرنا في البداية أن الأمر غريب؟ لأن الساعة تجاوزت الثالثة فعلاً، لكن فهمنا أن هذا يعني الساعة الثالثة بالتوقيت العربي- وهو يطابق الساعة التاسعة لدينا- لأنهم يعدون الساعة بعد غروب الشمس معتمدين على وقت الغروب والشروق، ولم نكن قد تعودنا على هذا الأمر.

الساعة السادسة

قدم إلينا يوسف ياسين وعرفنا بمستشار الملك "خالد الحكيم " والمسؤول عن الشؤون الداخلية عبد الرحمن الطبيشي، ونائب المستشار السياسي رشدي ملحس (وسكرتيره) إبراهيم.
في أثناء اللقاءات كان الحديث يدور بين الوزير الياباني ويوسف ياسين باللغة اليابانية والعربية والفرنسية، كان إبراهيم يتولى الترجمة من الفرنسية، وكنت بدوري أتولى الترجمة اليابانية، وبينما كنا نتناول طعام العشاء، شرع يوسف ياسين وإبراهيم في أداء الصلاة (صلاة المغرب).

الساعة السابعة والنصف

بدأنا- على ضوء المصباح- عقد أول لقاء على مستوى المسؤولين في الخارجية اليابانية والخارجية السعودية: الوزير، يوسف يا سين، وإبراهيم، والمهندس الياباني، وأنا، لكن هذا اللقاء لم يكن كتلك اللقاءات التي تتم بين مختلف الدول، فالأمر كان مختلفاً. لا يمكن بالطبع أن أذكر تفاصيل اللقاء، لأن هذا غير مسموح به.
ولهذا فلن أكتب تفاصيل اللقاء، وهو اللقاء الذي كان الهدف الأول والرئيس لرحلتنا هذه.
وكان علينا أن نعقد لقاء كهذا مرة كل يوم من الأيام العشرة التي قضيناها في الرياض.
انتهى اللقاء الأول في تمام الساعة العاشرة والنصف ليلاً، بعد محادثات استمرت ثلاث ساعات. وتبلغ الساعة الآن الحادية عشرة تقريبا، ودرجة الحرارة 32 درجة مئوية.



اليوم السادس
مقابلة الملك عبد العزيز
أول إبريل


الساعة الخامسة صباحاً


استيقظت، واستحممت، واستبدلت ملابسي، ولبست المشلح وتناولنا نحن الثلاثة طعام الإفطار- الوزير وأنا والمهندس- حيث قدموا لنا برتقالا طازجا، وكان لذيذا جداً.

الساعة الثامنة صباحاً

قدم إلينا عبد السلام ومعه رئيس الحرس الذي رافقنا من جدة. وبدا الاثنان في أناقة شديدة؛ مظهر جميل وملابس نظيفة مرتبة، ووضع رئيس الحرس الطيب الذي يعشقه العرب وهو "دهن العود".

الساعة التاسعة إلا الثلث



تحركنا، ومعنا عبد السلام ورئيس الحرس، واتجهنا إلى قصر الملك، والسائق الذي جاء بنا من جدة لبس حلة جديدة، فكان رائع الهندام، ذكر لنا أنه ذهب إلى السوق ليلة أمس، لشراء ساعة فالتقى بأحد أصدقائه هناك.. غير أنه لم يجد ما يريد فكان بادي القلق.
قال له الوزير: حين نذهب إلى جدة سأشتري لك ساعة من هناك، فسر كثيرا بذلك، وقال مرددا: أشكركم أشكركم.. واتجهت سيارتنا إلى القصر، وسرنا في الطريق نفسه الذي سلكناه أمس، ثم دخلنا من بوابة قصر الشمسية، ووجدنا على بوابة القصر مائة من رجال الحرس، وعلى رأسهم رئيس الحرس الذي كان يلبس زياً شبيها بزي العسكريين المصريين، وكان معظمهم يضع العقال على رأسه، وشاهدت اثنين أو ثلاثة منهم بدون حذاء.
توقفت السيارة، وقدم يوسف ياسين وإبراهيم لاستقبالنا، وقادنا يوسف إلى الغرفة التي سنلتقي فيها بالملك، وهي غرفة الضيافة.
كانت الغرفة تتكون من مائة "تتامي " (التتامي 90 × 180 سنتيمترا) غرفة واسعة جداً، في كل جانب من جوانبها الأربعة مرآة كبيرة، رسم على كل منها صور أزهار وورود.
كانت الزخرفة رائعة وجميلة جداً، وجدران الغرفة مثل جدران غرف القصر الذي نقيم فيه، وفي السقف أربع مراوح أو خمس، بينما تدلت الستائر على النوافذ، ووضعت أرائك وكراسي من الخيزران، لكنها أفضل من تلك التي وضعت في القصر الذي نزلنا فيه، هذا وكانت أشعة الشمس تخترق النوافذ لتصل إلى داخل الغرفة الكبيرة.
دخلنا غرفة الضيافة، واتجهنا إلى رجل يجلس على كرسي ضخم ذي مساند، كان يرتدي مشلحا، ويبدو طويل القامة، وعن يمينه جلس ثمانية رجال يلبسون المشلح، وأدركنا أن الرجل الذي يجلس على الكرسي الضخم هو الملك ابن سعود.
اتجهنا ناحيته ووقف من كرسيه، وسلم علينا سلاما حارا، بدأ بالسلام على الوزير، ثم المهندس، ثم بي وقال: "مرحبا.. أهلاً وسهلاً.. أهلاً وسهلا وصلتم بأمان الله ". وحين سلمت عليه قلت له "تشرفنا.. "
كانت يد الملك ناعمة ملساء، وعلى إثر إشارة منه جلس الوزير عن شماله، وجلست والمهندس عن يمينه، وبجواري جلس إبراهيم ويوسف ياسين على يسار الملك كانت هناك طاولة وضع عليها جهاز هاتف ومنظار كبير (للرؤية البعيدة) ونسخة من (القرآن الكريم) شعرت بأن الملك أطول مني بحوالي خمسة عشر سنتيمترا، فهو طويل القامة جداً،، ربما تصل قامته إلى 180 سنتيمترا، فمظهره يدعو للاحترام الشديد، فهو ملك حقاً وصدقا، وعلى رأسه عقال مطرز بخيوط مذهبة مع الخيوط السوداء، وكانت الغترة التي يضعها على رأسه بسيطة جداً، مصنوعة من القطن مثل الغترة التي يضعها سائقنا على رأسه، لا فرق بين الاثنين على الإطلاق، وتحت المشلح كان الملك يرتدي قفطانا واسع الذيل.
وقد شاهدت مثل هذا على طلاب الأزهر في مصر، لم يكن يضع حذاء في قدميه، بل كان يلبس جوربا من نسيج سميك.
وسمعت أن الملك لا يحب الرائحة الكريهة وينفر منها، ويحب الطيب، وقد شعرت بهذا عندما اقتربت منه، شعرت برائحة الطيب.. طيب من النوع الغالي، تفوح من جسده.
والملك في هذا المشلح أعطانا انطباعا بأنه ملك حقاً، ملك لهذه المنطقة بلا منازع، فهذا المشلح يناسبه تماما، ويتناسب مع شخصيته التي تمتاز بالوقار والهيبة.
وجهه طويل إلى حد ما، يزينه شارب ولحية سوداء جداً، إلا أن الشارب كان أكثر سوادا من اللحية، وكان كثيفا جداً أكثر مما هو لدى العرب عادة، لم أر له مثيلاً من قبل، عيناه كبيرتان واسعتان، لكن شعرت أن عينه اليسرى تعاني من شيء ما، ولاحظت أن إصبعه الوسطى في يده اليسرى بها قطع، وهذا يعني أنه خاض قتالاً ضاريا من قبل، وفي يده اليمنى لاحظت خاتما به حجر كريم، لا أعرف اسمه لبسه في الإصبع الصغرى، وكان تحت عين الملك اليسرى "خال " كبير.
كانت بشرته سمراء، لكنها بالنسبة لنا كانت مليحة جذبت عيوننا، صوته كان خافتا، وفيه "بحة": حين سمعت صوته لأول مرة كنت أتعجب كيف يمكن لصاحب هذا الصوت أن يصيح أو يقود الناس في الصحراء بهذا الصوت الخافت.
وحينما كنا نتبادل الحديث كان الملك يبتسم دائما، ولم نلاحظ عليه أبدا أي مظهر من مظاهر الغضب أو الامتعاض أو حتى الملل.
شعرت أنه ملك مختلف تماما عن الملك فاروق في مصر. عربيته التي يتحدث بها قريبة من الفصحى، لكنه يتحدث أحيانا بلهجة نجدية، وتصدر عنه أحيانا عبارات بلهجة سورية، كنت أحيانا لا أفهم ما يقول، وكان الحديث يدور في معظمه مع الوزير، إلا أنه أحيانا كان يوجه الحديث إلي مباشرة.
كنا نتحدث عن الدين والموقف الدولي والأمور السياسية، ولمدة ساعة وطوال الوقت كان يبدأ حديثه عادة بعبارة: " سعادة وزير اليابان ".
وحين كنا نتكلم عن الاتفاق الذي سيعقد بين السعودية واليابان، وعن الأحوال داخل المملكة العربية السعودية، والعلاقات مع الدول الأخرى، كان دائماً يبتسم وينظر إلى يوسف ياسين وإلى الآخرين مرددا:
أليس كذلك يا يوسف...؟
أليس كذلك يا خالد...؟
وذلك بطريقه كلها بساطة وود.

نقاش مع الملك

كما ذكرت قبل ذلك لا يمكن أن أكتب شيئا عما دار بيننا وعما اتفقنا عليه، أو عما كان ينبغي لنا مناقشته أو التحدث فيه. لا يمكن أن أكتب شيئا فيما يتعلق بموقف السعودية أو قضاياها، لكن أذكر هنا أن الملك قال: "بلدنا بلد تحكمه الشريعة، والشريعة هي حكمنا، ولاشيء غيرها، وأمام الشريعة جميع الناس سواسية؛ لذا فإن الديمقراطية الغربية التي تطبق بالقوة هي بالنسبة لنا وبالنسبة لبلدنا ليست ديمقراطية حقيقية، عندنا الشريعة، وهي دستور العرب، والمسلم الذي يؤمن إيماناً حقيقيا بالشريعة لا يفرض عليه بالقوة شيء، ولتحقيق الأمن لا نلجأ أبدا إلى القوة، وقد سلمنا المسؤولية لأمير كل قبيلة، وعلى الأمير نفسه أن يتعامل مع أهل قبيلته، وأن يؤدي واجبه. فإذا ما حدث شيء- لا قدر الله- تكون هذه مسؤولية أمراء القبائل، ولهذا فنحن الآن نعيش مرحلة أمن وحالة أمن".
وعن العلاقات الدولية قال الملك: "نحن نريد أن تكون لنا علاقات طيبة بالدول المجاورة، وبالدول القوية في أوربا، كما أننا لا نحمل بغضا ولا نحمل كراهية لأحد، وعلى سبيل المثال لا نحمل بغضا لدولة ألمانيا أو إيطاليا أو بريطانيا أو أمريكا أو فرنسا، ونحن نحترم اليابان باعتباره بلدا عظيما في جنوب شرقي آسيا".
وعن الشيوعية قال الملك "الشيوعية.. نحن لا نوافق عليها أبدا، بل نود أن تنتهي. وهنا تبذل محاولات، لكن رجال بلدنا لا يقبلونها أبدا، وهذا أمر واضح تماماً، ولهذا نحن نعتقد أن الشيوعية لا يمكن أن تأتي إلى بلدنا أبدا، ومن هنا فنحن لا نشعر بوجود مخاطر من الشيوعية تجاه سياستنا".
وعن اليهود قال الملك: "اليهود كانوا دائما أساس الصراعات التي تدور في أوربا، وهم أساس الصراعات التي تدور الآن، وفيما يتعلق بأخوتنا في فلسطين سوف نساعدهم بكل ما لدينا، ولقد أوضحت هذا تماما حين كتبت إلى الرئيس الأمريكي روزفلت، أرسلت له رسالة خاصة، وقلت له: إن اليهود سوف يتسببون في إيجاد مشكلات عديدة في جميع أنحاء العالم".
ثم قال الملك لنا مباشرة: "وأنا آمل أن تقوموا في اليابان بدعم رأيي هذا."
وشعرت بأنه كان منفعلاً وعاطفياً حين كان يتكلم عن اليهود.
تحدثنا كثيرا في موضوعات ليست مهمة، لذا لن أكتب عنها، لكن خلال الاجتماع تحدثنا عن ابنه الثاني فيصل الموجود في لندن في ذلك الوقت، أخبرت الملك بأنني والوزير التقينا به في القاهرة، فسر الملك كثيرا، وظهرت أمارات السرور على وجهه واضحة، كما لو كان عاجزا عن كتم سعادته، وراح يسألنا: كيف كان فيصل؟ هل كان في صحة جيدة؟ وراح يسألنا أسئلة تفصيلية عنه، ثم ذكر لنا أن الأمير فيصل قادم خلال أيام وسوف يسعد كثيرا لو التقى بنا في الرياض كان يتكلم بأحاسيس الأب والوالد لا الملك.
عرفنا أن الملك يحب الأمير فيصل حباً جماً.
بعد نصف ساعة، دخل علينا رجل يبدو في الثانية والأربعين من عمره، يضع نظارة على عينيه، قامته طويلة إلى حد ما، نظر إليه الملك، وقال إنه أحد أولادنا، إنه الأمير سعود، فأردنا أن نحييه، لكن الملك قال: "فيما بعد، فيما بعد"، فأومأنا إليه بأيدينا. كان الأمير مهذبا جداً، جلس على الكرسي بأدب شديد، وراح يستمع إلى حديثنا.
قال الملك للمهندس ميتسوتشي إنه طلب من أمريكا حفر بئر ماء أمام قصر البديعة. وسأله هل هناك احتمال لوجود ماء في الموقع؟ فرد المهندس: لا يمكن أن أبدي رأيي سريعا الآن، لكن أمهلني ليوم غد، سأقوم بدراسة جيولوجية هذه المنطقة، وأعطيكم جوابي.
وفي أثناء المناقشة قدموا لنا الشاي والقرفة والقهوة، قدموا لنا الشاي مرة واحدة، لكن القهوة قدمت عدة مرات، كان طعمها لذيذا، كانت كالقهوة التي شربناها من قبل، لكن "فناجين " القهوة كانت "فناجين " عادية، وكان الحارس الذي يقدم القهوة لا يضع حذاء في قدميه.

الساعة العاشرة والنصف،

انتهى الحديث تقريباً، وشعرنا بأنه لم يعد هناك داع لجلوسنا، ولكن كلما هممنا بالاستئذان بدا الملك وكأنه لا يريد أن يتركنا نذهب، وأوقفنا أكثر من مرة عن مغادرة المكان، وراح يرحب بنا.

دعوة من مهندسين أمريكيين
الساعة الحادية عشرة

رجعنا إلى مكان إقامتنا، وجاء إلينا يوسف ياسين ليخبرنا بأننا سنتابع الحديث معاً في الساعة الواحدة، لكن الساعة الواحدة تعني الرابعة.
وهكذا جاء يوسف ياسين ثانية، ودار بيننا الحديث حتى الساعة السابعة، أي لمدة ثلاث ساعات.

الساعة الثانية

أخذنا تصريحا من الملك لندعو مهندسين أمريكيين يقيمان بالمبنى المجاور لنا. وخامرنا شعور غريب، لم نر من قبل هنا غير العرب، لكن اكتشفنا الآن وجود أجانب، فرأينا أن ندعوهم إلى لقاء نشرب فيه الشاي. فرح المهندسان الأمريكيان حين قدمنا لهما الدعوة، كان أحدهم في الثامنة والأربعين من عمره، والآخر شاباً يبدو أنه في الثامنة والعشرين، كان الأول ثرثاراً بطبعه، وهو أمريكي قح، طريقته في كلامه.. كل شيء فيه أمريكي.. وكان يعمد إلى إشعال السجائر باستمرار أثناء الكلام، أما الثاني فهو شاب رزين لم يكن يتكلم كثيرا، وكان يتسم بالهدوء، واسمه R.P.Gierhart، أما المهندس الأول الثرثار فكان يدعىSchlosslin قدم هذان المهندسان الأمريكيان إلى هذا المكان منذ سبعة أشهر بدعوة من الملك، وقد دخلا هنا من خلال شركة زيت الحسا، ومنذ ذلك الوقت وهما يقومان بحفر بئر للمياه أمام قصر البديعة.
تخرج المهندس الشاب R.B.G. ول من جامعة كاليفورينا، وهو من موظفي شركة Standard Company، أما المهندس الثرثار فلا يحمل مؤهلاً عاليا، لكنه عمل في الصين والأمازون وأمريكا الجنوبية، كما شارك في حفر آبار البترول في البحرين. ذكر المهندس Schlosslin أنه زار اليابان فترة.
ثم التقينا بهما بعد ذلك عدة مرات، وتبادلنا معهما الأحاديث عن أمور كثيرة مختلفة، وأذكر على لسانهما هذه الحكاية: "البئر الذي يجري حفره أمام قصر البديعة تم حفر 230 شاكو (حوالي 69 مترا) ولكن لا أثر لوجود ماء على الإطلاق، والحقيقة أننا نشك في وجود ماء في هذه المنطقة وقد قدمنا هنا بموجب عقد مدته ثلاث سنوات، لكن لو ذكرنا بأنه لا أمل في وجود ماء فسوف يفسخ العقد، ونرجع من حيث أتينا، والحكومة السعودية تقدم لنا خمسين ألف دولار من أجل حفر البئر، ولدينا 8 عمال، كلهم نشيطون مجتهدون، نعطي الواحد منهم روبية كل يوم، وسوف نحصل على معدات جديدة للحفر، وسنحاول الحفر مرة ثانية، لكن لا يمكن أن نجزم بوجود الماء، يمكن أن نقول إنه قد لا يوجد ماء. "
كان لدى المهندس الشاب سيارة خاصة، وقد عبر صحراء الدهناء ثلاث مرات، وذهب إلى البحرين، وذكر أن السفر إلى البحرين يكون عن طريقين، الطريق عبر الكويت- وهو أسهل - أما عبورصحراء الدهناء فيستغرق في الغالب ثلاثة أيام، ومن الأفضل عندئذ استتدام سيارة لها عجلات خاصة.
وذكرا أن خريطة الجزيرة العربية ا!لطبوعة في بريطانيا خريطة لا فائدة منها، وقالا إنهما يكرهان اللورد أثلون البريطاني، لكن لم يذكرا لنا سبب كراهيتهم له، وقالا:
"إذا بقينا هنا ثلاث سنوات، فلن نحتاج أن نعمل بعد ذلك، فسوف تكفينا رواتبنا التي نحصل عليها هنا مدى الحياة". إنني أشك تمامآ في كلامهم هذا، وقالا أيضتا:
"إن الطريق المؤدي إلى قصر الملك، يتم تعبيده الآن على يد مهندس مصري مسؤول عن هذا العمل، والحكومة تعطيه راتبا كبيزا، لكنه لايعمل أبذا.. ".
وشكا الاثنان من عزلتهما ووجودهما بعيذا عن النساء، فقالا: "نحن بعيدون عن النساء منذ سبعة أشهر، لم نر امرأة بدون حجاب هنا، لهذا نشعر بالتعب والقلق.. ".
لم يحلق المهندس الشاب لحيته منذ سنة تقريباً، وأحياناً يقوم بزيارة معسكر شركته في الحسا، ويظل المهندس الثرثار هنا وحيدا، وحين يذهبان إلى الدمام يمكنهما الحصول على الطعام الأمريكي، كما يمكنهما الاستماع إلى الموسيقى الأمريكية، وإذا ذهبا إلى البحرين أمكنهما مشاهدة الأفلام، وغير ذلك من أمور.
وفي حوالي الساعة العاشرة مساء تركنا الأمريكيان وذهبا، وبقيت مع الوزير في مناقشة ما قالاه، وأوينا إلى مخادعنا، طلبا للنوم في حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل.





__________________







  رد مع اقتباس
قديم 13-11-10, 03:49 PM   #2
راعي الشاص
 

 رقم العضوية : 87
 تاريخ التسجيل : 24 - 1 - 2007
 المكان : عاصمة التمور
 المشاركات : 2,721
 الحالة : راعي الشاص غير متواجد حالياً


من مواضيعي
» جاك الفرج يامنتظر طلة سهيل
» دارة الحمراء غرب الشنان-حائل
» انفجرت بطارية السيارة (صور)
» برنامج ملاحة للخرائط الرقمية البرية Navitel
» نهر جاري قرب الباحة

افتراضي

الف شكر اخوي عارف الشعيل
الرحلة اليابانية مميزة وبصراحة ممتعة ولاتترك القراءة حتى تخلصها

لاهنت.








التوقيع
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
  رد مع اقتباس
قديم 16-11-10, 03:57 AM   #3
سحمان السبيعي
خبير اجهزة ملاحة ومصمم خرائط
 

 رقم العضوية : 418
 تاريخ التسجيل : 15 - 5 - 2007
 المكان : الرياض
 المشاركات : 3,181
 الحالة : سحمان السبيعي غير متواجد حالياً


من مواضيعي
» تجربة تصوير الغروب
» أقدم سيارة في العالم للبيع في مزاد
» محاولة مبتدئ وش رايكم
» تاريخ سيارات الجمس من سنة 1902م
» للادارة مع التحية

افتراضي

شكرا لك على المجهود بارك الله فيك اخي الكريم








التوقيع
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
  رد مع اقتباس
قديم 07-12-10, 12:09 AM   #5
البجلي
 
افتراضي

ياهلا ومسهلا
شاكر لك مانثرت هنا عن الرحله اليابانيه
وكما تفضل احد الاخوان قراءتها ممتعه جدا
تقبل تقديري








التوقيع
ابوفهد
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

A.K.H
تسلم يمينك
  رد مع اقتباس
إضافة رد
مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:40 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
 
هلا ديزاين