بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
في عام 1424 هـ صدر عن هيئة المساحة الجيولوجية كتاب جميل بعنوان
( دليل هواة الرحلات البرية )
وكان دليلا ضخما مدعما بالإحداثيات وقد كنت من أوائل من اقتنى هذا الكتاب .
ومما لفت انتباهي في الكتاب صورة لأحد مجاري الأودية كتب تحتها :
أحد مجاري الأودية في منطقة تبوك .
هذا التعليق لم يحدد مكان الوادي مما جعلني أبحث عن أي معلومة توصلني إليه
وللأسف لم أجد من يعرفه أو يدل عليه .
ثم جاء برنامج قوقل أيرث الرائع وجعلت أقلب فيه يمينا وشمالا في أودية منطقة تبوك
فعثرت على وادي بدا لي من أول وهلة أنه هو طلْبتي .
فعقدت العزم للذهاب إليه ألا وهو وادي القشابرية الواقع بين جبل شار وجبل الدبغ .
ولما وصلت إليه ورأيته على الطبيعة اتضح لي أنه لم يكن هو الذي أبحث عنه .
وقد كتبت موضوعا عن ذلك الوادي الجميل في حينه وعن الجبل المجاور له وكتبت عن قصة اغتيال جمالهما تجدونها على الرابط التالي :
ثم فترت زمناً عن البحث لكثرة مايشغلني من المواضع ولكوني بحثت كثيرا في منطقة تبوك عن وادي أرشحه لأن يكون بغيتي وكنت أبحث غرب مدينة تبوك وشمالها الغربي وجنوبها الغربي .
ولم أجد شيئا . ثم بدأت في البحث في جبال الطبيق الواقعة شرق مدينة تبوك لكنها لم تكن مؤهلة نظرا لطبيعتها التي تختلف تماما عن ما أرى في الصورة التي أمامي .
والذي صرفني عن البحث في المنطقة الحقيقية التي يقع فيها هذا الوادي هو أنني لم أكن أظنها تابعة لمنطقة تبوك . فهي إلى منطقة المدينة المنورة أقرب .
وحين رأيت الخرائط الإدارية أدركت أنني قصرت البحث على نطاق قليل .
خارطة تبين موقع وادي ثري وجبال الورد داخل الدائرة الحمراء
في الشهور القليلة الماضية وجدت في برنامج قوقل أيرث وادياً رشحته بنسبة 90 % وعرفت اسمه ثم حاولت أن أجد أي معلومات عنه في الشبكة العنكبوتية فلم أفلح .
عقدت العزم للوصول إليه في أقرب فرصة .
وإليكم الآن معلومات عن الوادي :
وادي ثَـــري
( ثاء مفتوحة فراء مكسورة فياء ) باللفظ المرادف لكلمة غني .
وادي ينحدر من جبال الورد بشكل مستقيم من الغرب إلى الشرق ليصب في وادي الجزل قريبا من برقا الفهود وجبل دف رحال وقرية فضلا .
يتميز الوادي باستقامته في الوسط بشكل مذهل يدعو للعجب
صورة للوادي من قوقل ايرث
فكأن الجزء الأوسط منه والذي يمتد مسافة أحد عشر كيلا تقريبا إنما هو أثر ضربة سيف عملاق فلق الجبال فلقاً وأحدث هذا الصدع الهائل .
يمتد وادي ثري أكثر من خمسين كيلو متر داخل الجبال ويشكل أعلى الوادي ووسطه أخدودا عظيماً يضيق كثيرا في الوسط مما يجعله شديد الخطورة في حالة جريانه .
هذا الوادي كثير الذئاب والنمور أما الذئاب فلا زالت وأما النمور فقد أصبحت قليلة جدا وانحصرت في الجهات المطلة على تهامة من جبال الورد
الوادي يقع في ديار قبيلة بلي وهو أحد أوديتهم وتحيط به بعض قرى بلي ومنازلهم كالفرش والقرم والورد وغيرها .
وعن سبب تسمية الوادي بهذا الاسم فقد أفادنا رجل كبير السن من سكان تلك المنطقة
بأن أجدادهم يحدثونهم أن عربا نزلوا في الوادي ثم جاءت سحابة عظيمة نزل منها مطر عظيم فثرّى ( بتشديد الراء ) عليهم الوادي وذهب بهم .
فسمي وادي ثري .
وسألته عن معنى ثرّى فأفادني بأنها تعني أن الوادي دهمهم وبغتهم وفجأهم فلم يتمكنوا من الهرب فهلكوا .
وعندما عدت لمعاجم اللغة وبحث في أصل الكلمة وجدت أن كلمة ثرى تعني التراب الندي جاء في الصحاح :
ثرا
الثرى: التراب النديّ. وأرضٌ ثَرْياءُ: ذاتُ نَدىً. ويقال التقى الثَرَيانِ، وذلك أن يجيء
المطر فيرسَخ في الأرض حتَّى يلتقي هو ونَدى الأرض. وأمَّا قول طفيل
يُذَدْنَ ذِيادَ الخَامِساتِ وقد بَدا ثَرى الماء من أَعْطافِها المُتَحَلِّب
فإنَّه يريد العَرَقَ. والثراءُ: كثرةُ المال. قال علقمة بن عَبَدة يصف النساء:
يُزِدْنَ ثَراءَ المالِ حيثُ عَلِمْنَهُ وشَرْخُ الشبابِ عندهنّ عجيبُ .
وفي كتاب المحيط في اللغة مايلي :
ثرى
الثَّرى مَقْصُوْرٌ: التُّرَابُ المُبْتَلُّ. ودِعْصٌ مَثْرِيٌّ.
ويَقُوْلُوْنَ عِنْدَ تَتَابُعِ الأمْطَارِ: "الْتَقى الثَّرَيَانِ"؛ وهو مَثَلٌ يُضْرَبُ في سُرْعَةِ اتِّفَاقِ الأخَوَيْنِ في
المَوَدَّةِ.
وأرْضٌ مُثْرِيَةٌ: لم يَجِفَّ ثَرَاها.
والثَّرْيَاءُ: لُغَةٌ في الثَّرى. وهي أيضاً من الأرَضِيْنَ: الكَثِيْرَةُ الثَّرى. اهـ
وربما تكون التسمية أقدم من ذلك ومشتقة من طبيعة الوادي فمجرى الوادي يتكون من التراب بينما تحيط به الجبال العالية .
لم أجد من تكلم عن هذا الوادي من البلدانيين سوا سطرين في معجم عاتق البلادي حفظه الله .
=====
الرحلة للوادي
الرحلة الأولى بتاريخ 15-3-1432هـ وكانت استطلاعية لم استطع فيها الوصول للوادي ولكنني وصلت إلى جبال الورد ووصلت إلى أعلى الوادي .
والرحلة الثانية كانت بتاريخ 22 - 3 - 1432هـ وقد وصلت الوادي بحمد الله تعالى وكان معي الرحلة الصديق العزيز صالح العبودي ( أبو رافع ) وابنه محمد
وابني فارس وأخي العزيز خالد الشاوي .
الرحلة الأولى :
بصحبة الأولاد توجهنا للعلا للمبيت فيها ليلة الخميس ومنها كنا ننوي الانطلاق للوادي صباح الخميس لكن لأمر يريده الله حصل خلل في السيارة اضطرني للبقاء في مدينة العلا إلى مابعد الظهر
فضاع علينا وقت طويل ولهذا لم يكن لدي الوقت الكافي للوصول للوادي
واكتفيت بالذهاب إلى جبال الورد التي يتم عمل طريق إليها يتفرع من طريق العلا - الوجه وقد تم سفلتة 30 كم تقريبا وبقي 20 كيلو يتم العمل فيه الآن
لكن الجزء المتبقي ممسوح وممهد ووعورته مقبولة جداً .
هذا الطريق يحاذي وادي ثري من جهة الجنوب وأقرب نقطة بين الطريق والوادي تصل إلى 1 كم فقط .
عندما وصلنا إلى أعلى وادي ثري وتحديدا عند قرية الورد وجدنا سدا من الحجارة وقد امتلأ بمياه الأمطار
إحداثية السد :
2626528
3714644
وكانت المياه تجري في الوادي وتخرج من الأرض وتغذي السد .
وقيل لنا أن هناك سد آخر أكبر منه في الأسفل لكن الوقت المتأخر ووعورة الطريق بعد السد الأول ووجود المياه حالت بيننا وبين متابعة السير .
جلسنا في هذا الوادي قرب السد بعد صلاة العصر وعملنا وجبة الغداء ومن ثم رجعنا قافلين وقد مهدنا الطريق للرحلة الثانية إن شاء الله .
صور الرحلة الأولى :
( سيكون التعليق تحت الصور إن شاء الله )
الانطلاق كان من مدينة العلا الجميلة
مرورا بوادي الجزل الذي يفوح برائحة الأزاهير
أسفل وادي ثري حين يتقاطع مع الطريق الجديد المؤدي لجبال الورد
صورة أخرى لأسفل ثري
وادي قرم في الطريق إلى الورد ويتميز بأشجار الأثل الكبيرة ( الطرفا )
نهاية الطريق عند قرية الفرش وقد بقي على جبال الورد 20 كم تقريباً .
بين الفرش والورد
أعلى نقطة وصلت إليها بالسيارة ترتفع 1604 م عن سطح البحر بينما تصل قمم جبال الورد إلى 2000 م تقريباً .
محطة الأرصاد الجوية في قمم جبال الورد
مركز الورد حيث تتناثر البيوتات على سفوح الجبال
وهذه الصور وما يليها من صور هي للسد الواقع في أحد الأودية التي تشكل وادي ثري في أعلاه .
عبدالله مبسوط ( ماء وحصا ) ياسلام