النقش الثالث هو نقش رقّوش المكتشف في مدائن صالح شمال الحجاز. ويرجع تاريخه الى العام 267 ميلادي. وقد احتوى هذا النقش على نص اضافي لملخص بابجدية المسند الثمودي مكتوب عموديا. وتضمن ايضا على حروف منقطة، وهي نادرة في النبطية. ويرى البعض ان نقش رقوش دليل هام على تحول النبطية الى عربية الجزم. اما النقش الرابع فهو نقش حجر النمارة الشهيرالمكتشف جنوب دمشق. ويعتقد المختصين انه شاهد قبر أمرؤ القيس (المتوفي عام 328 ميلادي، بناءا على قراءة النقش)، وهو ملك عربي معروف قبل الاسلام و ينتمي لقبائل كندة.
بدون شك، ان جميع النقوش المذكورة اعلاه هي وسائط هامة لدراسة تطور العربية المبكرة، ولكن الاعتمادا على هذه النقوش وحدها اسلوب ناقص. اولا، ان نقش الحروف على الاحجار الصلبة يمكنه ان يشوه اشكال الحروف الفعلية. ثانيا، عدد الاشكال الحرفية المستقاة من دراسة مجموعة صغيرة من النقوش ليس كافيا للخروج باستنتاجات وافية. ثالثا، ان جميع هذه النقوش تنتمي الى منطقة جغرافيه محدودة بما يجعل اجراء دراسة شاملة امرا في غاية الصعوبة.
دلائل النقوش العربية اوائل العصر الاسلامي
ان اية دراسة متوازنة لجذور الكتابة العربية لابد وان تتناول بحث الاشكال الحرفية للعقود الاسلامية الاولى اذ ان العديد منها كتب على وسائط غير حجرية. من الغريب ان احدا لم يعثر بعد على مدونات ورقية اوجلدية للعربية قبل الاسلام علما ان لدينا اليوم مدونات عربية على ورق البردي من العقد الثاني بعد الاسلام. وكما ذكرنا آنفا أن ابن النديم تحدث في كتابه عن ترجمته لمخطوطة ورقية او جلدية قديمة كتبت بالمسند.
كتب اقدم نقشين بالعربية بعد ظهور الاسلام بالخط الكوفي وهما يعودان الى العام الرابع الهجري (625 ميلادي). وقد تم اكتشاف النقشين في مغارات جبلية في المدينة المنورة.11 وكذلك من العقد الهجري الاول لدينا رسالتين من النبي محمد (ص)، ويقال انهما كتبا بخط الامام علي بن ابي طالب (ع). احدهما للمنذر بن ساوي ملك البحرين والاحساء، والاخرى لهرقل (هراكيولس) امبراطور الروم. وقد شملت هاتان الرسالتان اشكال حرفية قيمة (مثل حرفي العين والهاء) بما يمكننا استخدامها لتسليط الضوء على جذور الاشكال الحرفية العربية الاولى. من المعتقد اليوم ان النبي محمد (ص) كان قد ارسل خمسة الى ثمانية رسائل لقادة المناطق المجاورة.15
وهناك نقوش اسلامية عديدة من العقود الاولى للاسلام. اهمها اول مدونتين ورقيتين بعد الاسلام ويعود تأريخهما للعام 22 هجري (642 ميلادي). احدهما ثنائية اللغة، عربي واغريقي، وهي محفوظة اليوم في المتحف الوطني للنمسا في فيينا. وكلاها متعلق بعقود الشراء والضرائب. وليس غريبا احتواءهما على اشكال حرفية منقطة بما يؤكد حقيقة ان التنقيط كان مستخدما بكثرة قبل العقد الخامس للاسلام حين تم اضافته رسميا للعربية.
احد اقدم نقشين للخط الكوفي. مكتشف في جبل سلع في المدينة المنورة ويعود للعام 4 هجري (625 ميلادي) 28
نقش بالخط الكوفي مكتشف في الطائف ويعود الى العقود الاولى للاسلام 20
احدى اول مدونتين ورقيتين للعربية ويعودان للعام 22 هجري (642 ميلادي) وهي تحتوي على كتابة اغريقية ايضا ومحفوظة في المتحف الوطني للنمسا في فيينا 28
نقش بالخط الكوفي عثر عليه في كربلاء ويعود للعام 60 هجري (683 ميلادي) لاحظ استخدام حرف الواو في "الله اكبر" 28
كما ولدينا اليوم العديد من المدونات الورقية المبكرة ومعظمها كتب بالخط الكوفي. احدهما مخطوطة للقرآن الكريم بالخط المائل، وقد اعتبر المؤرخون هذا الخط مثالا لخط نادر استخدم لفترة وجيزة. ويرجع تأريخها حسب اعتقادهم الى القرن الثامن الميلادي.25 بينما يعتقد المؤلف انها اقدم من ذلك، ربما منتصف القرن السابع الميلادي، اي خلال العقود الاولى للاسلام. فأشكال هذه المخطوطة الورقية تكاد تكون مطابقه لاشكال حروف المدونات الورقية الاولى المذكورة اعلاه وكذلك للاشكال الحرفية في احدى اقدم المخطوطات القرآنية المدونة على الجلود الرقيقة والمحفوظة في المكتبة الوطنية المصرية في القاهرة.
من صفحة لاحدى مخطوطات القرآن الكريم (سورة 24 آية 37) الاولى وقد كتبت في المدينة المنورة بالخط المائل بتنقيط شبه مخفي وتعود الى القرن الثامن الميلادي.25 يعتقد المؤلف ان الاشكال الحرفية لهذه المخطوطة هي نفسها اشكال الجزم الحجازي قبل الاسلام وان هذه المخطوطة تعود الى العقود الاولى للاسلام خلال القرن السابع الميلادي.
من صفحة لاحدى اوائل المخطوطات الجلدية للقرآن الكريم (سورة 10 آية 59) وقد كتبت بالخط الكوفي وبدون تنقيط وهي تعود الى منتصف القرن السابع الميلادي 14
من النقوش الاسلامية الهامة الاخرى، نقش الخط الكوفي حوالي جدران الموزائيك الداخلية والخارجية للبناء المثمن لقبة الصخرة في القدس، ويرجع تاريخه الى العام 64 هجري (682 ميلادي). وهو نقش طويل ومحفوظ بشكل جيد. اما اشكاله الحرفية فهي مشابهة لاشكال الخط المائل ايضا، ولكن بدون الميلان. وقد استخدم فيه التنقيط بشكل فريد ومميز. اما النص فهو دعاء اسلامي يشتمل على خليط من نصوص قرآنية وغير قرآنية. وموضوع النص يتضمن دعوة واضحة لسكان القدس المسيحيين للايمان بالمسيح (ع) وفق الاعتقادات الاسلامية. اما كتابة الدعاء في النقوش وتلاوته في المناسبات الدينية فذلك عرف اسلامى شائع. فحتى نقش كربلاء بالخط الكوفي، المؤرخ عام 60 هجري، تضمن دعاءا.
احدى نقوش قبة الصخرة في القدس وتعود للعام 64 هجري (684 ميلادي). النقش الاعلى يعود لجدران المثمن الداخلية والاسفل لجدران المثمن الخارجية. لاحظ طريقة كتابة الكلمة الثالثة، آمنوا، في اعلى الشكل 28
نقول ذلك، لان نقش قبة الصخرة كان احد المكونات الرئيسية لإنقلاب اكاديمي حديث في مجال الدراسات العربية والإسلامية اليوم، بقيادة مجموعة من الباحثين الالمان. فقد استغل هؤلاء الباحثون عدم معرفة القارئ الغربي لمفهوم الدعاء الاسلامي ليقدموا نظرية بدون اثباتات من ان القرآن الكريم لم يكن موجودا عند تأريخ هذا النقش، اي خلال العهد الاموي. وبالرغم من توفر ثروة هائلة من المعلومات التأريخية والادلة المادية اليوم، بما يشير الى خلاف ذلك، يدعي هؤلاء ان نصوص هذا النقش ليست الا "مكونات اولية" استخدمت لاحقا بعد العام 650 ميلادي، اي خلال العصر العباسي، في عملية "تأليف" القران كما نعرفه اليوم.
أحدهم، وهو باحث الماني يكتب تحت اسم مستعار هو كريستوف لوكزنبرغ يعتقد ان القرآن كان في الاصل كتاب سرياني لاحد المذاهب المسيحية وقد ترجم للعربية لاحقا وباغلاط عديدة .28 في دراسته للقرآن، يحاول لوكزنبرغ تصيد كلمات عربية غير منقطة قريبة لغويا، وبالصدفة، لكلمات سريانية، عبر استغلال نصوص قرآنية غامضة او معقدة قواعديا ومختلفٌ في تفسيرها، مبتدعا بدوره نصوصا لغوية جديدة غريبة ومتناقضة غالبا. ألا ان المسلمين لم يختلفوا يوما على حقيقة ان العديد من تعاليم وقصص القرآن الكريم مستمدة من الديانتين اليهودية والمسيحية، وإن اللغة العربية تحتوي عموما على عدد كبير من الكلمات المعرّبة. كما ان الآرامية السريانية، والتي تشارك العربية اصولها وتأريخها، هي نفسها متأثرة بشدة بالعربيه قبل وخصوصا بعد العصر الاسلامي في القرن السابع. وبالتالي فهي مرجعية لغوية فقيرة لارجاع اصول الكلمات العربية. على ما يبدو، ان بحوث لوكزمبرغ بحوث دينية متطرفة أكثر منها بحوث اكاديمية.
من أبرز الحقائق التي كشفتها النقوش الاسلامية المبكرة هي الاستخدام الغني والمتنوع للاشكال الحرفية، محدودية الاشكال المتعددة للحرف الواحد، وعدم الاكتراث دائما لوصل الحروف. اذ يمكن االعثور في المدونات والنقوش المختلفة على اشكال حرفية موقعية للمسند او النبطية. يبدو ان العرب، وحتى في العقود الأولى من الاسلام، وظفوا مجموعة كبيرة من الاشكال الحرفية المتنوعة التي تعرضوا لها تأريخيا في المنطقة. ومن بعض الامثلة الواضحة لذلك استخدام الهاء النهائية والوسطية، العين الوسطية، القاف الكوفية، ومركب حرفي الباء والراء. ورغم امكانية الجدل في احتماليات منشأ هذه الاشكال من المسند اوالنبطية، الا ان احدا لا يمكن ان يجادل من ان الجزم كان بمنأي عن تأثيرات ايا منهما.
التأثيرات النبطية على ابجدية الجزم العربية
دراسة النقوش العربية الاولى لا تدع مجالا للشك من ان خط الجزم القديم كان قد تطور شمال الجزيرة العربية قريبا من بيئة آرامية نبطية غالبة. اذ ان النقوش المكتشفة بينت بوضوح توجه عام للاستعارة المؤقتة او الدائمية لاشكال حرفية نبطية. واستعارة الاشكال الحرفية بين ابجديات المنطقة آنذاك كانت ممارسة معهودة. فقد اظهرت النقوش العربية القديمة اشكالا حرفية قريبة من الاشكال النبطية لحروف الدال، العين، الواو، الطاء، والنون. ولكن وكما سبقت الاشارة اليه فان هذه الاشكال قريبة ايضا لمرادفاتها في المسند.
تاريخيا، كانت منطقة القبائل النبطية ملجأ امين للمطلوبين الهاربين في المدن المحيطة بها. جغرافيا، وبعد قراءة التاريخ الروماني، يبدو واضحا ان الاغلبيه الساحقه من الانباط كانواعرقيا قبائلا عربية استخدمت اللغة والكتابة الاراميه المنتشرة في المراكز المجاورة لها. 8 وقد كان تكيفهم مع الثقافة الأجنبية هذا سابقة هامة للقبائل العربية في الشمال وعامل حاسم في خلق بيئة مفتوحة كان لها اهمية كبيرة في تطور الجزم لاحقا.
ليس معروفا متى اندثرت الكتابة النبطية. اما ان يكون تأريخ اقدم نقش للجزم بناءا على النظريات السائدة اليوم هو نفسه تاريخ آخر نقش عربي بالابجدية النبطية، الا وهو العام 328 ميلادي، فهذه مصادفة غير واقعية. اذ انها تترك انطباعا خاطئا من ان النبطية اندثرت بعد تحولها الى كتابة الجزم العربيه. تأريخيا لم تتحول اية كتابة آرامية الى كتابة ثانية مختلفة جذريا عنها في هذه المنطقة الجغرافية قبل العصر الاسلامي، فلماذا تحولت النبطية اذن؟
حكمت المملكة النبطية منذ حوالى 300 سنة قبل الميلاد وحتى احتلالها من قبل الامبراطورية الرومانية عام 106ميلادي. ولكن مدينة البتراء بقيت مدينة هامة في المنطقة حتى القرن السادس الميلادي. 31 فلماذا تخلى شعبها فجأة وبعد بضعة عقود عن اشكاله الكتابية لصالح اشكال مختلفة كثيرا؟ على الاغلب، كان اضمحلال دور الأنباط التدريجي سببا مباشرا لتوسع نفوذ القبائل العربية المجاورة وانتشار ابجديتها، الجزم، في مناطقهم.
وهذا ما يفسر حقيقة ان النقوش العربية بالابجدية النبطية لا تمثل الا جزء يسير من النقوش النبطية. بل قد يفسر ايضا سبب استخدام النقوش النبطية المتأخرة لاشكال حرفية موصولة كليا مقارنة بالنقوش القديمة. اذ ربما استبدلت القبائل العربية في المناطق النبطية السابقة ابجديتها النبطية بابجدية الجزم القادمة حديثا. وهذا لا يستثني بالطبع احتمالية ان يكون الجزم قد اشتق من النبطية وواكبها قبل ان يحل محلها.
على مايبدو، لم يعرف العرب المسلمين الاوائل الكثير عن اصول النبطيين. الا ان بعض احاديث قادة الجيوش الاسلامية المتقدمة شمالا اظهرت انهم خليطا عرقيا من العرب وغير العرب. وقد ذكر كتاب الفهرست لابن النديم انهم لا يتكلمون العربية. واشار في صفحات عديدة الى ان احد الشخصيات النبطية من منطقة قريبة للكوفة واسمه ابن الوحشية الكلداني كان قد قام بترجمة العديد من النصوص النبطية الى العربية. احيانا كان اسمه الكسداني وذلك على مايبدو خطأ نسخي للحرف المركب كاف-لام. ونقلا عن احد سحرتهم، وصف ابن النديم النبطيين في الفهرست على انهم "حفاة ذو بشرة سوداء وكعوب مشققة". وقد اعتقد العرب القدماء، وفقا للفهرست، ان لغة الانباط كانت لغة بابل القديمة وان الكلدان والآشوريين تكلموا لهجات مشتقة منها.22
معظم الحروف النبطية، عند عزلها، تكاد تكون متطابقة مع الحروف الآرامية او الآرامية العبرية. اما عملية ايصالها ببعض فتبدو عملية ثانوية مضافة. اذ ربما عرف الأنباط وصل الحروف من اقوام مجاورة استخدمت كتابة بحروف موصولة كالمسند. ربما اراد النبطيون تمييز كتابتهم عن الكتابات الارامية المحيطة باضافة او ابتداع ديناميكية خاصة. ومن المثير للاهتمام هنا ملاحظة ان قواعد اتصال الحروف النبطية مماثلة عموما لقواعد العربية.
لقد اكدت نقوش عديدة في الجزيرة العربية ان القبائل العربية الشمالية واصلت استخدام المسند.33 ربما تبنت بعض هذه القبائل القاطنة في مناطق النفوذ النبطية اشكال حرفية آرامية لتسهيل العلاقات التجارية مع المدن المجاورة، لكن، وكما يبدو، انها استخدمت ابجديتي النبطية والمسند معا. وليس مستبعدا ان تكون بعض الاشكال الحرفية النبطية مستمدة مباشرة من اشكال المسند.
ففي القرون الميلادية الاولى، استخدمت مملكة تدمر القريبة من منطقة النبطيين، ومعظم سكانها من العرب، ابجديتين للكتابة، احداهما آرامية بحروف معزولة والآخرى بحروف متصلة، وهي احدى ابجديات بلاد مابين النهرين. على الارجح، كان استخدام تدمر لابجديتين او ربما ثلاثة بسبب موقعها على طريق التجارة بين الامبراطوريتين الساسانية الفارسية والرومانية. اما النقوش على آلهة تدمر فكانت بابجدية المسند. ورغم ان ابجدية تدمر مشتقة عموما من الآرامية، الا ان اشكال حرفي الراء و الثاء كانتا بدون شك استعارة مباشرة من المسند. 31 & 24
مرة اخرى، من المهم جدا الانتباه هنا الى ان نقوش الجزم العربية المتضمنة لاشكال نبطية تعود جميعا الى منطقة محدودة جغرافيا، الا وهي منطقة النفوذ النبطي. كما انها اقتصرت على بضعة نقوش فقط. لذا، لا يمكننا الاستنتاج بيقين مطلق من ان هذه الاشكال هي اشكال الجزم الاصلية ام اشكال محلية متأثرة بالنبطية.
جذور الجزم في ابجدية المسند
رغم الملامح الواضحة للنفوذ النبطي، الا انه وبعد دراسة النقوش العربية لفترة ما قبل الاسلام او لمرحلة العقود الاولى للاسلام، لا يمكن انكار ان الجزم مستمد اساسا من المسند. فحروف الراء، الواو، العين، والهاء في المسند كانت قد استخدمت بدون تحوير في الجزم حتى العقود الاولى للاسلام. وبعد تفحص اشكال حروف المسند بجميع انماطه، بما في ذلك الموصولة، يستطع المرء بسهولة ملاحظة خصائصها المظهرية المشتركة مع اشكال الجزم والخط الكوفي. فحروف الاليف، الشين، العين، الهاء، الجيم، الفاء، القاف، الذال، الزاء، الكاف، والنون يمكن ارجاعها جميعا للمسند.
وما يدعم الفرضية اعلاه هو عمق التغيرات الحاصلة لاشكال حروف المسند على مر القرون. فقد بينت الدلائل التأريخية بشكل عام ان التحويرات الطارئة على الاشكال الحرفية لابجدية ما تتضمن عكسها افقيا اوعموديا وتشذيبها من بعض مكونتاها المظهرية. وقد يعني ذلك في حالة تحول المسند للجزم وضع الاشكال العمودية التقليدية افقيا وتشذيبها عبر الغاء المكونات المظهرية المتعارضة مع سلاسة الكتابة الموصولة او مع امكانية تمييز الحروف عند القراءة.
اقدم نقش عربي للجزم على الصخر اكتشف قرب جبل الرم شرق العقبة ويعود للعام 328 ميلادي. صور الحجر لانكستر هاردنج 7
نقش الرم وهو اقدم النقوش العربية المكتشفة، لم يتضمن اشكال حرفية واضحة للدراسة. الا انه نقش هام لكونه تضمن خليطا من حروف الجزم والمسند. المستشرق غرام، يعتقد ان حروف الجزم نقشت قبل حروف المسند بفترة. بينما اعتقد المستشرق الامريكي بلمي خلاف ذلك. ورغم اختلافهما كليا في حيثيات قراءة نص الجزم، الا ان كليهما تجاهل قراءة نص المسند. 7 اما مادون فهو يعتقد ان هذا النقش هو الحلقة المفقودة بين الجزم والمسند. وقد قرأ النصين معا.17 يعتقد المؤلف ان حروف المسند والجزم في هذا النقش كانا قد كتبا في آن واحد وان قيمة هذا النقش تكمن اساسا في تواجد الاشكال البدائية للجزم جنب الى جنب اشكال المسند. اذ وكما رأينا سابقا، ان نقش رقوش النبطي تضمن ايضا كتابة بالمسند لم يختلف احدا من انها منقوشة في وقت واحد. لماذا علينا اذن ان نفصل تأريخ النصين في نقش الرم، خاصة وان طبيعة النصين النوعية متشابهة وان العديد من نقوش المسند المكتشفة في الجزيرة العربية تضمنت كتابات متعددة الاتجاهات في نقش واحد.
اما نقش ام الجمال فربما يكون اكثر نقوش العربية قبل الاسلام اهمية واثارة للنقاش. ورغم اختلاف العلماء على تأريخه الا ان معظمهم يعتقد انه ينتمي الى القرن الخامس او السادس الميلادي. وقد اطلق عليه البعض اسم نقش ام الجمال الثاني لتفريقه عن نقش ام الجمال العربي النبطي الآنف الذكر. يبدو جليا ان هذا النقش كان قد استخدم اشكال متعددة للهاء باوضاعها المعزولة، النهائية، والوسطية بما يتطابق مع اشكال الهاء في المسند والتي نقلها لنا ابن النديم والهمذاني. كما ان شكل حرف الهاء الوسطية في هذا النقش هو نفسه شكلها في رسالتي النبي محمد (ص) المكتوبة بعد حوالى مائة سنة او اكثر. في هاتين الرسالتين ظهرت هاء المسند الوسطية والبدائية في ثمانية كلمات.
نقش ام الجمال (ويسمى احيانا نقش ام الجمال الثاني) وقد اكتشف جنوب دمشق ويعود الى الفترة مابين القرنين الرابع او الخامس الميلاديين.18 لونت الكلمتين "عهد" و "الهنيد" بالاخضر من قبل المؤلف للتوضيح.
صورة لنسخة اصلية من رسالة النبي محمد (ص) الى هرقل (هراكليوس) امبراطور الروم البيزنطيين، وكان في دمشق حينذاك، نقلها دحية بن خليفة الكلبي الى قائد جيوشه في تبوك.15 تعود هذه النسخة الى الفترة مابين القرنين الثاني والثالث الهجريين (الثامن والتاسع الميلاديين) وهي محفوظة اليوم من قبل عائلة يمنية. 29 الكلمات الحاوية على هاء المسند محاطة بدوائر للتوضيح.
قرأ العديد من المختصين الكلمة الثانية من السطر الأول في نقش ام الجمال " غفر" والكلمة الاولى من السطر الثالث، "الخليد" او "القليد". بينما يقرأ المؤلف الكلمة الاولى "عهد" و الثانية "الهنيد". اذ ان اعتبار الحرف الاخير حرف الراء، ليجعلها غفر، سيتناقض كليا مع قراءة جميع النقوش السابقة واللاحقة. فقد استخدم الجزم شكل حرف الراء في المسند بشكل متواصل حتى العقود الاولى للاسلام. كلمة غفر في العربية تعني "عفى عن". الا ان مادون يعتقد انها تعني هنا "حفظه" او "حماه من السوء". ولكن استعمال غفر بهذا المعنى هو استعمال نادر. "عهد" او "ستر" هما الاكثر شيوعا.
نص رسالة النبي محمد (ص) الى هرقل وقد اعيد نسخها من قبل المؤلف للتوضيح من صورة لنسخة اصلية ثانية محفوظة في خزانة هنري فرعون في لبنان او الاردن.18 كلمات "الهدى" و "اشهدو" ملونة بالاخضر للتوضيح.
صورة لرسالة النبي محمد (ص) الى المنذر بن ساوي ملك البحرين وهي محفوظة اليوم اما في المتحف العراقي في بغداد او متحف توب قابي في اسطمبول. وقد نقلها له علاء بن حضرمي.15 الكلمات الحاوية على هاء المسند محاطة بدوائر للتوضيح.
نص رسالة النبي محمد (ص) الى المنذر بن ساوي وقد اعيد نسخها ومقارنتها من قبل المؤلف من صورة النسخة الاصلية اعلاه للتوضيح.16 الكلمات الحاوية على هاء المسند الوسطية والاولية ملونة بالاخضر وهي من الاعلى للاسفل ومن اليمين لليسار: اشهد، امرهم، لهم، اهل، منهم، مهما.
كذلك فان أحدى نقشي السكاكة، السابقان لنقش ام الجمال، كان قد استخدم ايضا هاء المسند الوسطية. قرأ المعيقل وغالبية المستشرقين الكلمة الاولى من السطر الاول في النقش "بعسو" مفترضين على مايبدو انها اسم لشخص ما.20 ولكن هذا ليس اسما عربيا معهودا. كما أن الحرف الثالث لا يمت بصلة من قريب او بعيد لحرف السين في الجزم او النبطية. فمن الغريب حقا اعتبار نتوء بسيط على انه سن وسطي لسين عربية، خاصة عند تواجد العديد من النتوءات المشابه في كل كلمة من هذا النقش. يعتقد الكاتب ان هذه الكلمة كانت "بعهو" او "باعهو" وان الحرف الثالث هو حرف الهاء الوسطية في المسند، مرة اخرى. على اقل تقدير، ستتلائم قراءتنا هذه مع قراءة النص الحالية المتعلقة بعبد من عبيد امرؤ القيس.
احد نقشي عربية الجزم المكتشفين في السكاكة شمال المملكة العربية السعودية ويعودان للفترة مابين القرنين الرابع والخامس الميلاديين. الكلمات "بعهو" و "مرالقيس" ملونة بالاخضر للتوضيح.28
ومن الدلائل الاخرى التي تشير الى ان الجزم ابجدية مستقلة مشتقة من احد انماط المسند الموصولة هو استخدامها لشكل مشذب من احد اشكال حرف الأليف لنمط المسند الصفوي المستخدم في شمال الجزيرة العربية. وهو شكل مائل لليمين بزاوية مشابهة لزاوية ميلانه في انماط المسند الموصولة. اذ يمكن ملاحظة حرف الأليف المائل هذا في جميع النقوش العربية قبل وبعد الاسلام. حتى ان الهمذاني كان قد عرضه ضمن اشكال حروف المسند. فمن المستبعد جدا ان يتحول حرف الأليف النبطي بشكله الدائري الصغير وبموقعه المرتفع كثيرا فوق خط الكتابة الافقي الى أليف الجزم.
ومما يدعم رأينا هذا مدونة القرآن الورقية بطراز الخط المائل ومدونتي الاعمال والمحاسبة على ورق البردي المذكورة اعلاه. اذ يعتقد المؤلف ان الخط المائل لم يكن نمطا خطيا نادرا جاء بعد الاسلام وانما هو النمط الحجازي القديم للجزم وقد اضمحل استخدامه على الاغلب بعد ظهور الخط الكوفي وخط النسخ. وفي الواقع ان انماط الخط الكوفي الاولى كانت مطابقة تقريبا للخط المائل باشكالها الحرفية. فعند تفحص اشكال الخط المائل يمكننا ملاحظة ليس فقط حرف الأليف المائل وانما حرف الواو الصغير للمسند الصفوي.
ويبقى الدليل الاهم لاثبات علاقة الجزم بالمسند الموصول هو الطريقة التي اوصل بها الجزم اشكاله الحرفية مع بعضها افقيا. اذ استخدم الجزم تطويل افقي مفتوح لليسار في كل حرف وهو نفسه الاسلوب المتبع في المسند المتصل. اسلوب ايصال الحروف الفريد هذا هو ما ميز الجزم عن بقية الابجديات المحيطة به. ورغم انه ليس من المستحيل جدليا تصور امكانية تحول الاشكال النبطية جذريا خلال القرن الرابع الميلادي لتصبح اشكالا افقية، الا ان ذلك نفسه يمكن ان يقال عن اشكال المسند.
مراجعة نقدية لادلة النقوش النبطية
كما ذكرنا سابقا، لقد ارتكزت نظرية تحول النبطية الى الجزم كليا على بضعة نقوش عربية بحروف نبطية. احدها كان نقش رقوش حيث يعتقد العديد انه يمثل بداية اشكال الجزم العربية. ولكن وجود بضعة كلمات شبيهة بالعربية في هذا النقش تبدو صدفة محضة. فكلمة "قبرو" تكررت ثلاث مرات في النقش الا انها كانت شبيهة بالعربية مرة واحدة فقط. يعتقد المؤلف ان نقش رقوش نقش تقليدي للنبطية المتأخرة او بافضل حال قد يكون نقش نبطي منجز على يد شخص ذو معرفة بابجدية الجزم. وهذا قد يتفق مع رأي عدد من الخبراء ممن اعتبر هذا النقش "لهجة حدودية".
اقدم نقش مكتشف للعربية بالحروف النبطية من مدائن صالح شمال الحجاز ويعود للعام 267 ميلادي. لاحظ كتابة المسند العمودية لليمين. لونت كلمة "قبرو" بالاخضر للتوضيح.28
كما انه ليس من الغريب جدا ظهور التنقيط في نقش رقوش. اذ وكما ذكرنا سابقا، لم يكن التنقيط ابتداعا اسلاميا. فمخطوطات الافيستا والبهلوي الفارسية ربما استخدمت النقاط لفترة طويلة سابقة. احدى ابجديات تدمر كانت قد استخدمت التنقيط ايضا لاحتكاكها ببلاد ما بين النهرين ابان الاحتلال الساساني على الاغلب. 24 من المرجح ان النبطية المتأخرة كانت قد اقتبست التنقيط من تدمر. وحقيقة تسمية العرب لعملية اضافة النقاط "تعجيم" او "اعجام" خلال القرن السابع الميلادي، هو برهان واضح على ماذهبنا اليه اعلاه. فكلا الكلمتين تعني جعل النص ذو مسحة اعجمية.
اما النقش الآخر والذي اعتبره العلماء دليلا على تحول النبطية للجزم فقد كان نقش النمارة. وقد عثرعلى هذا النقش قبل نقش رقوش وتم ارجاعه لبضعة عقود لاحقة. واظهرت القراءة الأولى للحجر الاصلي، المحفوظ اليوم في متحف اللوفر بباريس، اشكالا حرفية متصلة وقريبة بعض الشيء من العربية. فقد قرأت الكلمه الثانية من السطر الثاني على انها "الاسدين"، متضمنتاً الحرف المركب "لام- أليف"، رغم تلف الحجر الواضح في موقع تلك الكلمة. في عدة مناطق اخرى على الحجر يمكن ملاحظة اشكال شبيهه بالعربية للباء والهاء النهائيتين، وشكلين لحرف الكاف النبطية، بل وحتى اشارة لتاء مربوطة مستقبلية.
بعد اعادته لقراءة نص النمارة في ثمانينيات القرن الماضي، اتفق بلمي عموما مع قراءة دوساد له في بداية ذلك القرن. الا انه وبدون تفحص الحجر عن قرب يصعب الحكم على بعض اشكاله عبر الصور. فعلى سبيال المثال، عرض بلمي ثلاثة صور لحجر النمارة اظهرت اختلافا كبيرا للاشكال الحرفية للمنطقة التالفة جزئيا في السطر الثاني المتضمنة على اللام – أليف في كلمة "الأسدين". حيث ان توضيح الاشكال الحرفية صوريا في جزء من الحجر سبب تشويهها في الاجزاء الاخرى. وكما كتب بلمي نفسه "الصور يمكن ان تكون خادعة" 6.
وحتى لم افترضنا ان الاشكال الحرفية في نقش النمارة اشكالا تأريخية دقيقة، تبقى هناك مشكلة تفسيرها. فالقراءات الحالية ليست موضوعية تماما. اذ انها تفترض مسبقا ان هذا النقش يمثل "اشكال متطورة لحروف الابجدية النبطية، في نهايات طريقها الى العربية". ولكن من الممكن تشخيص عدد من التناقضات الهامة في القراءات الحالية لهذا النقش.
حيث اعتقد المختصين ان الكلمات الاولى تعني "هذا نصب مدفن امرؤ القيس"، بما يعطي الانطباع ان حجر النمارة كان موضوعا على قبره، بينما كانت قراءتهم العربية للكلمات ذاتها "تي نفس مرألقيس". بوضوح، القراءتين متناقضتين. اذ ان "تي" لا تعني "هذا" و"نفس" لا تعني "قبر"، بالعربية. وبما ان نقش رقوش كان قد استخدم كلمة "قبرو" تحديدا وبكثرة قبل ذلك، لماذا لم يستخدمها اذن نقش النمارة بعد بضعة عقود؟
نقش النمارة العربي بالحروف النبطية المكتشف جنوب دمشق وقد اعاده المؤرخون للعام 326 ميلادي. الكلمات الملونة بالاخضر من الاعلى للاسفل ومن اليمين لليسار: تي نفس مرالقيس، الاسدين، عكدي، عكدي، والرموزالرقمية لسنة النقش.28
ورغم ان غالبية كلمات النقش كانت عربية مفهومة عموما، ظهرت في النقش كلمة غريبة وهي "عكدي". وقد اختلف في تفسيرها المختصين كليا، الا انهم افترضوا بشكل غير مقنع انها قد تكون كلمة قواعدية تعني "ابدا" او "بعد ذلك" او "فيما بعد".6 وقد ظهرت هذه الكلمة في جملتين، الاولى "هرّبَ محجو عكدي وجاء ..الخ"، والثانية "عكدي هَلك سنة ...الخ". يعتقد المؤلف ان عكدي هو اسم لشخص، وان حجر النمارة هو اما شاهد قبر او نصب تذكاري لاحد رفاق امرؤ القيس، او ربما ملك لاحق، واسمه عكدي. اذ بدأ النص بجملة اولية تكريما لامرؤ القيس ثم عدد خدمات عكدي وانجازاته الحربية واختتم ذلك بتأريخ وفاته.
علاوة على ذلك، فان قراءة تاريخ نقش النمارة، شأنه في ذلك شأن نقشي حران وأسيس، استندت الى قراءة كلمتين بعد الكلمة "سنت" على انها ارقام نبطية. وتم قراءة الجزء الاخير من الكلمة الثانية، المتشابة في النقوش الثلاثة على انه الرقم 23. ولكن قراءة الرمز الاخير كرقم نبطي سيعني ان رقم الآحاد كان متشابها في سنوات النقوش الثلاث، وهذه مصادفة غير واقعية. كما اننا وبعد البحث في اشكال الارقام النبطية لم نعثر على شكل رقمي مشابه قطعيا لهذا الرمز.10 كما ذكرنا سابقا ربما اشار هذا الرمز الاخير لحدث او عام وليس لرقم.
ان قراءة تأريخ نقش النمارة امر في غاية الاهمية، فنقش سكاكة كان هو الاخر قد تحدث بالتحديد عن احد ابناء او عبيد امرؤ القيس. وقد تم تقدير تأريخ ذلك النقش حوالي تاريخ نقش النمارة او بضعة عقود بعده في اكثر تقدير. ولكن وبعد تفحص الاشكال الحرفية وطريقة كتابة "امرؤ القيس" في كلا النقشين، وبينهما بضعة عقود فقط، يبدو جليا ان الكتابة النبطية لا يمكن ان تكون قد تطورت الى كتابة الجزم وانما عاصرتها وتفاعلت معها.
الخلاصة
كانت ابجدية الجزم العربية في قرونها الاولى، على الاغلب، نسخة محلية لابجدية المسند الموصولة الحروف المستخدمة بين القبائل العربية الشمالية. فمن الواضح ان المسند لم يبقى ثابتا عبر القرون الطويلة، بينما تطورت اشكال ابجدياته الشقيقة، الارامية او الفينيقية، الى مجموعة متنوعة من الابجديات المشتقة. نظرا لطبيعتها البدوية كانت القبائل العربية الشمالية قد تعرضت للعديد من الابجديات المجاورة وتأثرت بها. ورغم ان اشكال حروف الجزم كانت مستقرة نسبيا قبل ظهور الاسلام، الا انه ومن الواضح ان دورة تطورها كانت دورة طويلة لانها لم تكن مستخدمة رسميا في اروقة دولة مركزية.
تجاذبت عربية الجزم البدائية لفترة طويلة مع ابجدية المسند والابجديات الآرامية الاكثر تطورا المنتشرة حولها. اذ ربما اقتبس الجزم بعض الاشكال النبطية. الا انه من الصعب ان نزعم انها ابجدية نبطية متطورة استنادا على بضعة اشكال حرفية في نقوش نبطية تشبه عن بعد الاشكال العربية، خاصة وان جذور الآرامية النبطية والمسند متماثلة، وخاصة وان عملية تحديد الاشكال الحرفية للنقوش القديمة ليست عملية علمية دقيقة ونهائية.
ليس واضحا بعد من هي القبائل العربية الشمالية التي استخدمت الجزم اولا. الا ان ذلك لا يؤثرعلى طبيعة الدراسة هذه. اذ انه ورغم المساحة الجغرافية الشاسعة الفاصلة بينها، كانت القبائل العربية قريبة جدا من بعضها، ثقافيا. مما لاشك فيه، كان لظهور مكة قبل الاسلام كمركز بارز للتجارة والعبادة في الجزيرة العربية دورا رئيسيا في انتشار الجزم حتى انه اصبح معروفا بالخط الحجازي.
ربما كان عرب الحيرة والانبار هم من ابتدع ابجدية الجزم. او ربما كانوا هم من طورها وحسنها عبر ادخال منحنيات وايقاعات شكلية سلسة لاحتكاكهم بابجديات بلاد مابين النهرين ابان القرون الساسانية. بيد ان الاصول المباشرة للعربية الحديثة كانت في المسند. وهي لم تتطور الى اشكالها النهائية المستقرة حتى ظهور الخط الكوفي وبعد ان اصبحت الابجدية الرسمية والدينية للدولة الاسلامية.
كانت ابجدية الجزم العربية القديمة نظاما كتابيا ذو اشكال حرفية مرنة وقوية. ولانها نتاج بيئة مختلطة ومتضمنة لاشكالا حرفية قريبة للمسند والآرامية في آن واحد، تطورت ابجدية الجزم سريعا بعد الاسلام لتصبح قوة هامة في توحيد اوصال الجزيرة العربية وشمال افريقيا وبلاد فارس. وبعد قرنين من الاسلام، وهي فترة وجيزة نسبيا، اصبحت الكتابة العربية كتابة عالمية ذات تقاليد خطية غنية. اذ تأثرت العديد من الابجديات القديمة في المنطقة، والتي بقيت مستعملة حتى يومنا هذا، كثيرا بنجاحاتها. ومع انتشار الاسلام، انتشرت الكتابة العربية بين الامم البعيدة ايضا. و كانت هذه ظاهرة طبيعية ومتوقعة، اذ اصبحت الابجدية العربية ولقرون طويلة ابجدية العلم والمعرفة الاولى في العالم.
خط المسند للباحث سلطان المقطري
خط المسند الحميري
ــــــــــــــ
المسند قلم عربي أصيل اشتقت منه أقلام عديدة كالثمودي و اللحياني و الصفوي و الحبشي ، ويعد قلم المسند فصلا مهما في التاريخ البشري للكتابة ، كتب به أهل اليمن وخرج منها إلى سائر بلاد العرب وكان المسند الخط الوطني الأول للعرب قبل الإسلام دون منازع . . وقد تجلى المسند في كتابته التحريرية السريعة في خط الزبور اليماني ، والذي ذكره الشاعر العربي إمرئ القيس بن حجر حين قال :
لِمَنْ طَلَلٌ أبصرتُه فشجاني كخطِ الزَبورٍ في عسيبٍ يماني
ـــــــــــــــــــــ
![نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة](http://kaid2222.googlepages.com/s28.gif)
ـــــــــــــــــ
ما قمت به من عمل (تصميم خط المسند) لا يعدو كونه تناولاً للخط المسند من زاوية الحرف وإمكانية استخدامه في الحاسوب فلا يتوخى تصميمنا هذا البنية اللغوية والفكرية للنقوش المسندية ، فهو من البساطة بمكان غايته التسهيل على الدارس والمهتم كتابة أحرف المسند بالكمبيوتر ولسد ثغرة في هذا المجال.
حروف المسند وأرقامه
ــــــــــــــــــ
![نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة](http://kaid2222.googlepages.com/s29.jpg)
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
![نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة](http://kaid2222.googlepages.com/s210.jpg)
ــــــــــــــــــــ
من سمات خط المسند
1 - يكتب به من اليمين لليسار والعكس
2 - تكتب حروفه منفصلة غير متصلة
3 - شكل الحرف واحد في كل مواضعه من الكلمة
4 - يوضع خط عمودي للفصل بين الكلمات
5 - عند التشديد يكتب الحرف مرتين
6 - خالٍ من التنقيط والحركات وعلامات الترقيم
7 - سهولة تعلمه للمبتدئين